هنا سننثر بعض ما نجده جميلا من طيب الكلام
قد يكون شعرا أو قصة أو نثر مما نجده أو تحتزنه الذاكرة
سأبدأ هنا ببعض السطور من رواية الكاتب الكبير غسان كنفاني ( رجال في الشمس )
غسان كنفاني - « ها هو إذن الشط الذي تحدث عنه الأستاذ سليم قبل عشر سنوات ! ها هو ذا يرتمي على بعد آلاف من الأميال والأيام عن قريته وعن مدرسة الأستاذ سليم.. يا رحمة الله عليك يا أستاذ سليم !.. يا رحمة الله عليك ! لا شك أنك ذا حظوة عند الله حين جعلك تموت قبل ليلة واحدة من سقوط القرية المسكينة في أيدي اليهود.. ليلة واحدة فقط.. يا الله ! أتوجد ثمة نعمة إلهية أكبر من هذه؟.. صحيح أن الرجال كانوا في شغل عن دفنك وعن إكرام موتك.. ولكنك على أي حال بقيت هناك.. بقيت هناك ! وفرت على نفسك الذل والمسكنة وأنقذت شيخوختك من العار .. يا رحمة الله عليك يا أستاذ سليم .. ترى لو عشت، لو أغرقك الفقر كما أغرقني.. أكنت تفعل ما أفعل الآن؟ أكنت تقبل أن تحمل سنيك كلها على كتفيك وتهرب عبر الصحراء إلى الكويت كي « تجد لقمة خبز؟ .
نهض، واستند إلى الأرض بكوعيه وعاد ينظر إلى النهر الكبير كأنه لم يره قبل ذلك. إذن هذا هو شط العرب: « نهر كبير تسير فيه البواخر محملة بالتمر والقش كأنه شارع في وسط البلد تسير فيه السيارات.. « هكذا صاح ابنه، قيس، بسرعة حين سألة تلك الليلة: - « ما هو شط العرب؟ « كان يقصد أن يمتحنه، إلا أن قيس صاح الجواب بسرعة، وأردف قائلا: - «.. لقد رأيتك تطل من شباك الصف اليوم.. « التفت إلى زوجه فضحكت، أحس بشيء من الخجل، وقال ببطء: - « إنني أعرف ذلك من قبل.. « - « كلا، لم تكن تعرفه..
عرفته اليوم وأنت تطل من الشباك.. « - « طيب ! وماذا يهمني أن أعرف ذلك أو أن لا أعرفه، هل ستقوم القيامة؟ « رمقته زوجته من طرف عينيها ثم قالت: - « اذهب والعب يا قيس في الغرفة الأخرى... « وحين صفق الباب خلفه قالت لزوجها: - « لا تحكي أمامه بهذا الشكل، الولد مبسوط لأنه يعرف ذلك، لماذا تخيب أمله؟ « قام واقترب منها ثم وضع كفه على بطنها وهمس: - « متى ؟ « -» بعد سبعة أشهر « - « أوف !» - « نريد بنتا هذه المرة.. « - « كلا ! نريد صبياً ! صبياً ! «