مقال لي كتبته عام 2009 إبان الحرب على قطاع غزة..ما أشبه اليوم بالأمس...الأن أستحضر هذا المقال وأقارن بعد خمس سنوات ياترى ما الذي تغير؟...لا شيئ..بل أن الصراع مع المحتل الصهيوني قد حصد المزيد من الأرواح وقضم المزيد من الأراضي..اما من ناحية الحصار فقد أصبح في أسوأ حالاته...
ثقافة المقاومة ونغمة الإنهزام بقلم:سلوى حماد
تاريخ النشر : 2009-01-27
.................................................. ................
في أواخر السبعينات حضرت ومجموعة من الطلبة الجامعيين لقاء مع المرحوم أحمد الشقيري في طرابلس الغرب، لازال اللقاء عالقاً بذاكرتي ومازالت كلمات هذا الرجل ترن في أذني.
قال المرحوم الشقيري جملة موجهة للحكام في ذلك الوقت بما معناه " اذا لم تستطيعوا النضال فلا تكبلوا شعوبكم بإتفاقيات"، جملة تلخص وجهة نظر شخصية سياسية فلسطينية مثقفة مناضلة محترمة ، من لايعرف هذا الرجل فهو من أسس منظمة التحرير الفلسطينية ، وهو من أسس جيش التحرير الفلسطيني الذي قام على أساس الكفاح المسلح كوسيلة وحيدة لحل القضية الفلسطينية. منظمة التحرير الفلسطينية التى حاول بعض الخارجين عن العرف الفلسطيني ان يشقوها وإيجاد بديل لها يتماشى مع المرحلة الراهنة من تنازلات وحلول سلمية عقيمة في ظل غطرسة صهيونية وهيمنة امريكية على القرار السياسي العربي والفلسطيني.
في ظل صراع طويل بين الفلسطينيين والمحتل الصهيوني كانت المقاومة من أهم سماته ، ظهرت تيارات تحمل الفكر الإنهزامي الذي يقتات على فتات الحلول المهينة ومهمته الأساسية هي كسر الإرادة والصمود عند الشعب الفلسطيني بعد ما عجزت الة الحرب الصهيونية والترويع والتشريد عن كسرها على مدار ستون عاماً.
المقاومة لم تبدأها فصائل المقاومة الموجودة على الساحة الأن من حماس وجهاد اسلامي وغيرهم، المقاومة بدأت مع بدء توافد عصابات الصهاينة على الأراضي الفلسطينية، وأظن أن هناك اسماء مازالت حية في ذاكرتنا من شهداء المقاومة مثل عبد القادر الحسيني والشيخ الجليل عز الدين القسام ومحمد جمجوم وكثيرون غيرهم ممن سقطوا دفاعاً عن الأرض والعرض، المقاومة اليوم تكمل مسيرة من سبقوها من المقاومين والذين لولاهم لما بقي شيئ اسمه فلسطين حتى هذا اليوم.
عندما عجز الكيان الصهيوني عن القضاء على الانتفاضة الأولى بالتكتيك العسكري لجأ الى التكتيك السياسي المتمثل في إتفاقية أوسلو التى تزعم ابو مازن فيها فريق التفاوض الفلسطيني، وأخطر ما جاء في هذه الإتفاقية الإستسلامية هو بند ينص على ان تقوم السلطة بمكافحة قوى الإرهاب الفلسطينية ولا أدري هنا ما هو توصيف الإرهاب من وجهة نظر الصهاينة ومن وجهة نظر حملة راية الإستسلام!!!!!!! وهنا بدأ التراجع المخزي لأسس منظمة التحرير القائمة على مبدأ مقاومة الإحتلال حتى التحرير، وجاءت الإنتفاضة الثانية كتعبير عن رفض الشعب الفلسطيني للعربدة الصهيونية على أراضيه ورفض كل مبادرات السلام الغير عادلة الا ان السلطة الفلسطينية تجاهلت كل هذا واستمرت في مباحثاتها العبثية التى كان من نتائجها المزيد من قضم الأراضي والمزيد من الحواجز والمعاناة في الضفة والمزيد من الأسرى في السجون الإسرائيلية، والمزيد من الإجتياحات والإغتيالات ، والمزيد من المهانة والذل التى يتعرض له الشعب الفلسطيني كل يوم، لم تحاول السلطة الفلسطينية ان تقترب من أحلام الفلسطينيين وتشعرهم بإنها جزء من هذا الشعب، بل على العكس نأت عنه وكأنها من كوكب اخر بل تجرأت بأن تسفه نضاله وحقه في المقاومة من خلال العديد من التصريحات اللامسؤولة والتى تعكس عمق الهوة بين السلطة والشعب ومدى الإستهانة بالقضية والحقوق المسلوبة.
ومحاولة لتلميع صورة السلطة وبإيعاز أمريكي اوروبي ضربوا على وتر الديمقراطية والإنتخابات ، وقامت الإنتخابات التشريعية وكان فوز حماس مفاجأة زلزلت كل من السلطة واسرائيل والغرب وبدأت حرب من نوع اخر لعبت فيه السلطة بمساعدة غربية وعربية دور أقل ما يوصف به بإنه دور غير مسؤول (وهو اقل ما يمكن وصفه) على أثره قامت الحكومة الشرعية المنتخبة بالتغيير اللازم لتنظيف الساحة من كل ما يسيئ لسمعة النضال الفلسطيني وتم تسمية هذا التنظيف بالإنقلاب.
وبدأ الحصار، حصار داخلي وخارجي ، حصار صهيوني وحصار من السلطة ، لا ماء ولا هواء ولا كهرباء ولا منفذ بحري ولا جوي ولا بري، تحت مرأى ومسمع من العالم كله ، ماذا كان على الشعب المخنوق في غزة ان يفعل؟
هل كان عليه ان يحمل كفنه على يده كما في الثأرات وان يذهب الى السلطة في رام الله ليقول لها " السماح وحقي برقبتي؟"
ام كان عليه ان يرفع الرايات البيضاء ويقول لإسرائيل" كلنا رهينة فدا مشروعك الإستيطاني، بس لا تحرمينا رغيف الخبز؟"
هذا بالضبط ما راهنت عليه السلطة ومن والاها، تركيع الفلسطينين وكسر ارادتهم بالتجويع ولكن رهانهم كان خاسراً بالثلاثة لسبب بسيط ، وهو انهم ليسوا من هذا الشعب ولا يعرفون كيف يفكر ولا يعيشون احلامه ولم يقاسوا التهجير ومرارة العيش في المخيمات وطعم المهانة في اللقمة التى تقدمها لهم الأنروا.
بالأمس تحدثت مع سيدتين من المعارف في غزة كل منهما فقدت ابنها البكر ، 18 سنة والأخر 22 سنة ، كانا ضمن شهداء المقاومة، قمت بواجب العزاء وسألت كل منهما عن شعورها كأم فقدت ابنها، قالتا لي بما معناه "لا يوجد تحرير بدون تضحيات والأرض تستحق ان نعطيها خيرة ابنائنا، واذا الحرب خطفت اعز مانملك فهي قد قدمت لنا خدمة كبيرة بتغيير مفاهيمنا ، فمن كان ايمانه مزعزع في امكانية مقاومة الصهاينة أصبح الأن على يقين بإن هؤلاء الوحوش لا يمكن ترويضها الابالمقاومة، لقد تحملنا عامين من الحصار ولم يتحرك احد لإنقاذنا من الموت البطيئ ، ما حك جلدك مثل ظفرك ولن يكون الأتي اسوأ مما مضى".
هذه هي ثقافة المقاومة التى يجهلها رافعي لواء السلام والذين يذرفون دموع التماسيح على شهداء غزة ويستخدمون كل المشاهد المروعة للترويج لأفكارهم المسمومة وحقدهم ، يتباكون على شهداء غزة متناسين بإنهم قد شاركوا في حصارها جنباً الى جنب مع المحتل، ووقفوا يراقبون بجبن العربدة الصهيونية طوال ثلاثة اسابيع من الجحيم.
لكل من يحاول ان يستثمر الدم الفلسطيني لمكتسبات سياسية أقول لقد انتهى مسلسل الضحك على الذقون لأن الحرب سمت الأشياء بمسمياتها وأصغر طفل فلسطيني يستطيع ان يحاجج اي شخص تسول له نفسه باللعب على وتر التضامن والتعاطف من أجل كسب موقف.
رحم الله حكيم الثورة الفلسطينية الراحل جورج حبش الذي عارض اتفاقية أوسلو العبثية ورد على الراحل ابو عمار عندما قال له هذا هو الممكن في الوقت الحالي قائلاً" الثورة جاءت لتحقيق المستحيل وليس الممكن".
سؤال الى عازفي نغمة الإنهزام ، ماهو الخيار العبقري الذي تقترحونه بديلاً عن المقاومة لحل القضية الفلسطينية واستعادة حقوقنا المشروعة وقيام دولة ذات سيادة كاملة لا يحتاج فيها الرئيس لفيزة خروج وعودة؟