خطأ ترك تنوين المفردات في أدلة تنمية مهارات القراءة والكتابة
ترك تنوين الكلمات المعربة المفردة خطأ لغوي عام في أدلة تنمية مهارات القراءة والكتابة للصفوف الدنيا والبرنامج للصفوف العليا
(1)
إن كنت مهتما باللغة العربية واطلعت على "الدليل الإرشادي لتنمية مهارات القراءة والكتابة للصف الأول الابتدائي 2،1"، ولو ذهب بك اهتمامك صوب "كراسة الأنشطة لتنمية مهارات القراءة للصف الأول الابتدائي"، ولو دفعك فضولك اللغوي إلى أن تقلب صفحات "برنامج تحسين مهارات القراءة والكتابة للصفوف العليا بمرحلة التعليم الأساسي .. المستوى أ"، ولو أردت رؤية كراسة التلميذ الخاصة بالبرنامج للصفوف العليا- لرأيت خطأ لغويا مستمرا مطردا يجعل غير المنتبه يتوهمه حقيقة علمية لغوية.
ما هو؟
إنه تحريك مفردات الأمثلة بالضمة أو الكسرة أو الفتحة فقط من دون اتباعها بالحركة الأخرى الدالة على التنوين.
وماذا في ذلك؟
فيه مخالفة لغوية لطبيعة اللغة.
وما هي طبيعة اللغة؟
طبيعة اللغة أن تحدد بداية الكلمة ونهايتها.
كيف تحدد نهايتها؟
بالتنوين إن كانت نكرة معربة؛ فالتنوين يقطع اللفظ عن تاليه، يقول ابن القيم في "بدائع الفوائد":
(فائدة: تقول: نوّنت الكلمة: ألحقت بها نونا، وسيّنتها ألحقت بها سينا، وكوّفتها ألحقت بها كافا. فإن ألحقت بها زايا قلت: زوّيتها؛ لأن ألف الزاي منقلبة عن واو؛ لأن باب طويت أكثر من باب حوة وقوة. وقال بعضهم: زيّيتها. وليس بشيء.
فائدة: التنوين في الكلمة
التنوين فائدته التفرقة بين فصل الكلمة ووصلها؛ فلا تدخل في الاسم إلا علامة على انفصاله عما بعده، ولهذا كثر في النكرات لفرط احتياجها إلى التخصيص بالإضافة؛ فإذا لم تضف احتاجت إلى التنوين تنبيها على أنها غير مضافة. ولا تكاد المعارف تحتاج إلى ذلك إلا فيما قلّ من الكلام؛ لاستغنائها في الأكثر عن زيادة تخصيصها، وما لا يتصور فيه الإضافة بحال كالمضمر والمبهم لا ينون بحال، وكذلك المعرف باللام. وهذه علة عدم التنوين وقفا؛ إذ الموقوف عليه لا يضاف. واختصت النون الساكنة بالدلالة على هذا المعنى؛ لأن الأصل في الدلالة على المعاني الطارئة على الأسماء أن تكون بحروف المد واللين وأبعاضها، وهي الحركات الثلاث؛ فمتى قدر عليها فهي الأصل؛ فإن تعذرت فأقرب شبها بها. وآخر الأسماء المعربة قد لحقها حركات الإعراب، فلم يبق لدخول حركة أخرى عليها سبيل، ولا لحروف المد واللين؛ لأنها مشبعة من تلك الحركات ولأنها عرضة الإعلال والتغير، فأشبه شيء بها النون الساكنة لخفائها وسكونها، وأنها من حروف الزيادة، وأنها من علامات الإعراب. ولهذه العلة لا ينون الفعل لاتصاله بفاعله واحتياجه إلى ما بعده).
هذا عن فائدته، فماذا عن تعريفه وأنواعه؟
يقول ابن أُمّ قَاسِم المرادي: في كتابه "الجنى الداني في حروف المعاني": (الثاني: التنوين. وهو نون ساكنة تلحق الآخر، تثبت لفظاً، وتسقط خطاً ... وأقسام التنوين عند سيبويه خمسة: الأول: تنوين التمكين: وهو اللاحق للاسم المعرب المنصرف إشعارا ببقائه على أصالته. والثاني: تنوين التنكير: وهو اللاحق بعض الأسماء المبنية فرقا بين معرفتها ونكرتها، ويطرد فيما آخره ويه، نحو: سيبويه. ولا يطرد في أسماء الأفعال. والثالث: تنوين المقابلة: وهو اللاحق لما جمع بألف وتاء زائدتين، نحو: مسلمات؛ لأنه يقابل النون في جمع المذكر، نحو: مسلمين. وليس تنوين الصرف، خلافاً للربعي، لثبوته في نحو: عرفات، بعد التسمية. والرابع: تنوين العوض: وهو نوعان: عوض عن مضاف إليه إما جملة، نحو: يومئذ، وإما مفرد، نحو: كل، وبعض، وأي. وعوض من حرف، نحو: جوار، وغواش؛ فالتنوين في ذلك عوض من الياء المحذوفة بحركتها عند سيبويه، وقال المبرد والزجاجي: هو عوض من حركة الياء فقط. وقال الأخفش: هو تنوين الصرف. والخامس: تنوين الترنم. وهو تنوين يلحق الروي المطلق عوضا عن مدة الإطلاق في لغة تميم وقيس. قال ابن مالك: وقولهم: تنوين الترنم هو على حذف مضاف، والتقدير: تنوين ذي الترنم. وإنما هو عوض من الترنم؛ لأن الترنم مد الصوت بمدة تجانس حرف الروي. وهذا التنوين يلحق الاسم والفعل والحرف ... وزاد الأخفش قسماً، وهو الغالي. وهو كتنوين الترنم في عدم الاختصاص بالاسم. والفرق بينهما أن تنوين الترنم هو اللاحق للروي المطلق كما سبق، والغالي هو اللاحق للروي المقيد، كقول العجاج: وقائم الأعماق خاوي المخترقْن، أراد المخترق، فزاد التنوين، وكسر الحرف قبله لالتقاء الساكنين. وسمى الأخفش الحركة التي قبله الغلو، كما سماه الغالي ... وزاد بعضهم قسما سابعا، وهو تنوين الاضطرار، كقول الشاعر: سلام الله يا مطر عليها؛ فـ "مطر" مبني للنداء، ونونه الشاعر للضرورة. قال بعضهم: وهو راجع في التحقيق إلى تنوين التمكين، ولكن الضرورة سبب لإظهار التنوين الذي كان له قبل البناء).
(2)
هذا عن الحقيقة اللغوية التي يحققها التنوين في قطع الكلمات بعضها عن بعض، فماذا يعني ترك حركة التنوين، وهي الحركة التالية حركة الإعراب؟
إنْ ترك اللفظ بحركة واحدة فإن اللغة تراه احتمالا من احتمالات هي:
1- أنه لفظ مبني أصالة لمشابهته الحرف ثابت الآخر مهما تغير موقعه، وليس معربا يتغير آخره بتغير موقعه في السياق، مثل الضمائر وأسماء الإشارة والأسماء الموصولة و... إلخ.
2- أو أنه لفظ مبني عرضا لمشابهته الحرف في تركيبه مع غيره ثابت الآخر، مثل: المنادى المبني، واسم لا النافية للجنس المفرد، و... إلخ.
3- أو أنه معرب لكنه ناقص التمكن لمشابهته الفعل، وهو المعروف في النحو بالممنوع من الصرف، والصرف في هذا المصطلح يعني التنوين.
4- أو أنه يُكوّن مع ما بعده تركيبا إضافيا لا وصفيا.
5- أو أن هناك كلمة أخرى مَنْويّة لا بد من تقديرها أو ذكرها.
فإن جاء اللفظ المفرد محركا بحركة واحدة ولم يتله شيء كان خطأ لغويا محضا لا تعرفه اللغة العربية ولا تقره، وتحكما لا يشفع له توهم عدم التضييق على التلاميذ كما صرح أحدهم عندما ذكرت له ذلك؛ فالتخفيف لا يعني التصادم والحقائق اللغوية التي تعرف لآخر اللفظ حالات ثلاث هي:
1- السكون للوقف أو أي طريقة من طرق الوقف الواردة عن العرب بشروطها.
2- التحريك بحركة واحدة عندما يكون بعده كلمة تعرفه أو تخصصه، أي تكون مضافا إليه.
3- التنوين عندما يراد قطع الكلمة عن تاليتها.
أما ألا يراد الوقف ولا يراد ذكر كلمة أخرى تالية، وتحرك الكلمة بحركة واحدة- فهذا ما لا تعرفه اللغة لا وصلا ولا وقفا. والوصل مفهوم، أما الوقف فيعرض له جمال الدين أبو عمرو عثمان بن عمر ابن الحاجب في كتابه "الشافية في علم التصريف"، ويبين الحالات التي تقف بها العرب على اللفظ، ويعرفه.
يقول ابن الحاجب معرفا الوقف: (الوقف: قطع الكلمة عما بعدها).
ثم يذكر صور الوقف التي سأرقمها للإبراز:
(1- فالإسكان المجرد في المتحرك.
2- والروم في المتحرك، وهو أن تأتي بالحركة خفية وهو في المفتوح قليل.
3- والإشمام في المضموم، وهو أن تضم الشفتين بعد الإسكان. والأكثر على أن لا روم ولا إشمام في هاء التأنيث وميم الجمع والحركة العارضة.
4- وإبدال الألف في المنصوب المنون، وفي إذا، وفي نحو اضربن. بخلاف المرفوع والمجرور في الواو والياء على الأفصح ... وإبدال تاء التأنيث الاسمية هاء في نحو رحمة على الأكثر، و تشبيه تاء هيهات به قليل، وفي الضاربات ضعيف ... و إبدال الهمزة حرفا من جنس حركتها عند قوم مثل هذا الكلو والخبو والبطو والردو، ورأيت الكلا والخبا والبطا والردا، ومررت بالكلي والخبي والبطي والردي. و منهم من يقول: هذا الردي ومن البطو ...
5- وزيادة الألف في أنا، ومن ثم وقف على (لكنا هو الله ربي) بالألف. وإلحاق هاء السكت لازم في نحو ره و قه ...
6- وحذف الياء في نحو القاضي وغلامي حركت أو سكنت، وإثباتها أكثر عكس قاض، وإثباتها في نحو يا مري اتفاق.
وإثبات الواو و الياء و حذفهما في الفواصل والقوافي فصيح ...
7- والتضعيف في المتحرك الصحيح غير الهمزة المتحرك ما قبلها مثل جعفر ...
8- ونقل الحركة فيما قبله ساكن صحيح إلا الفتحة إلا في الهمزة، وهو أيضا قليل مثل هذا بكر وخبؤ ومررت ببكر وخبىء ورأيت الخبأ ...).
هذه طرق الوقف الواردة عن العرب التي تبين كيفية وقوفها وليس من بينها التحريك بحركة واحدة إلا في الحالة الثامنة التي هي النقل، ولا تتحقق شروطها في الأمثلة التي ترد في تلك الكتب المعنية بتعليم القراءة والكتابة للصغار وضعاف الكبار حتى نحتمل لها الصحة.
(3)
قد يتوهم متوهم أنها كلمات ليست داخلة في تراكيب إسنادية، أي أنها كلمات مطروحة؛ لذا لا ينطبق عليها ما سبق، لكن التأمل اليسير لا يثبت هذا الوهم.
كيف؟
إن هذه الكلمات تدخل في تراكيب إسنادية محذوفة الركن الأول الذي هو المبتدأ إن كانت مرفوعة فتكون خبرا. أو الفعل إن كانت منصوبة، فتكون مفعولا به؛ فهي ترد في سياقات استشهاد وتمثيل.
(4)
إذًا، من السرد اللغوي السابق يبِين أن اللغة لا تبيح ذلك، وينتج من ذلك وجوب تصحيح هذا الخطأ بإحدى الطرق الآتية:
1- إظهار السكون على أواخر الكلمات للوقف، وهذا ضعيف؛ لأن هذه الكلمات داخلة في حالات إسناد كما سبق.
2- تحلية الكلمات بالألف واللام وترك الحركة الواحدة؛ لأن الألف واللام لا تجتمع والتنوين.
3- إظهار التنوين وترك الكلمات نكرة كما هي، وهذا هو الأكثر ملاءمة.
فهل تتغير هذه الكتب، ويعاد طبعها بعد تصحيح هذا الخطأ؟
أرجو وأدعو!