قبل ليال ثلاث قيل أن درجة الحراره اقتربت من الصفر..لعل حياة الماضي..أو حبي للتغلب على الطبيعه مادفعني أن أضع فروتي (رفيقة الباديه) وأخرج الى حديقة الدار..جلست على الأرض وأرحت ظهري الى جدار الدار وسرح فكري بعيدا الى أيام صعبه لكنها حلوه فليس أحلى من اجتياز الصعاب وتحقيق الهدف...في سنة 1991 وما بعدها فرض العالم حصارا رهيبا على الشعب العراقي..حصار شمل كل شئ حتى الخبز...بذلت الدوله جهودا مخلصه لأطعام الشعب..لكن الخبز كان لونه أسود ونادر..استنجدت الدوله بالعرب فلم يستجيبوا خوفا من أمريكا...وهنا نشط عراقيون دفعتهم غيرتهم للواجب وكان لي شرف القيام بدور بسيط جدا في هذا المجال...يفخر به أولادي وأحفادي..والحمد لله..يتم التهريب بطرق مختلفه لست في مجال ذكرها من تركيا وغرب العراق (الأردن والسعوديه)..ان ذكرتها فقد يقال أنني أعطي محاظرات بالتهريب هههههههه..منها مثلا الأتفاق مع حرس الحدود بما يسمى فتح الفتوح...مقابل ثمن..كنا نستعمل سيارات بيك آب GMC قويه وسريعه لايملك الأردن مثلها لكن للسعوديه سيارات مثلها لذلك كنا ننقل الطحين الى الأردن عادي ونهربه للعراق من الأردن..طبعا العراق كان يساعدنا بالموضوع...وزودتنا بكارت أخضر نتنقل به حيثما نشاء ونعبر به الحدود خارج الحدود الرسميه...
في ذلك اليوم كان المفروض أن يصل الطحين فجرا...
الباديه كالبحر ليس لها دلالات ولا علامات لكن ابن الباديه يعرف بلا بوصله..بعض المناطق تسمى ببعدها عن مدينه..كيلو 160 يعني موقع يبعد عن الرمادي 160 كيلومترا..وهكذا...الباديه الغربيه أعرفها شبرا شبرا حيث كنت أملك قطعان أغنام ترتع فيها وكذلك في أيام الصبا وصيد القطا والحبارى...فيها وديان وتلال كموج البحر يختفي فيها جيش..هناك كانت ساحات معاركنا..المثلث العراقي السعودي الأردني..ديرتي التي أعشقها مهد الصبا والشباب ومرتعهما...
مكان اللقاء كان عند 560 كيلومترا في عمق الصحراء مترامية الأطراف..وصلنا بثلاث ساعات قبل الفجر لكن السيارات لم تصل..عندنا هواتف ثريا لكننا لانستعملها الا عند الضروره...قالوا..سنتأخر يومين آخرين..البرد في الباديه قارس يضرب العظم..وتشغيل محركات السيارات لغرض التدفئه يستنفذ البنزين والنار للتدفئه تجلب العيون..لم أستطع النوم خلف المقود..حاولت..نمت تحت السياره كي تحميني من الذئب..وجعلت من حبيبتي فروتي فراش ولحاف..ولففت رقبتي بيشماغ أيضا حماية من الذئب الذي أول مايفعله عند الهجوم أن ينهش الرقبه..ويشماغ آخر لففت به رأسي حماية من البرد الذي لامثيل له..ووضعت حذائي وساده ونمت نومة طفل...وكانت ليال قاسيه غسل قسوتها فرح العوائل بطحين أبيض...