وكما قلنا في دراساتنا عن الشِّعْرَ و النثر، الأدب له جناحان هما جناح الشِّعْرَ وجناح النثر ، إذ ليس بمقدور الجناحين أن يلتقيا مع بعضهم البعض في مكان واحد،.إلا أننا نعتبر شعراء التراث العربي القديم من عصر ما قبل الإسلام وما بعده من العصور الزاهرة، العصر الأموي والعباسي والأندلسي وغيرها من العصور الأخرى جميع هؤلاء الشعراء، نعتبرهم شعراء بحق من الطراز الأول، ذلك لأنهم مبدعوا عصرهم لأن كل ما قالوه من الشِّعْرَ ما هو إلا انفتاح زماني ومكاني، وإنه بحق تفاعل زماني ومكاني مع اللحظة الحضارية الَّتِي عاشوها لأنه قادر على استيعاب تجربة العصر، عصر البساطة والوضوح والوثوقية المحيطة بعوالمهم. لذلك علينا أن نقرأه كمادة تاريخية ونعتزبه لأنه تاريخنا لا أن نقلده ونجتّره. وكما أشار الكثير من نقاد الأدب نرى أن اللحظة الحضارية هي الَّتِي تحكم النظام الداخلي في رأس المبدع شاعراً كان أم فقيهاً قانونياً أم فقيهاً دينياً أم خطيباً. يقول أحدهم ترى لو شاءت الأقدار أن يكون الإمام مالك أندلسيا وابن حزم هو إمام دار الهجرة ، هل كانت الرؤية لتكون مختلفة عند كل منهما ؟ أكيد. لو عاش الأديب اليمني الكبير علي أحمد باكثير طيلة حياته الأدبية في حضرموت وليس في مصر هل سيكون له نفس الفكر والإبداع، كلا. لوحاول أحدهم محاكاة الشاعر المتنبي في عصرنا هذا ، في نفس الفكر والثقافة والأفق هل كان ليكون له شأن المتنبي ؟؟ لا أعتقد، لو جاء زعيم سياسي اليوم وكان خطيباً مفوهاً على طريقة جمال عبد الناصر مثلا، هل كان سيكون له نفس التأثير في الجماهير ؟؟ لا أعتقد، حيث أن المتبصر يرى حَتَّى في المناخ تأثيراً فتجد مثلا البلاد الحارة الغناء فيها يميل للطول والهدوء الشديد ، بعكس البلاد الباردة.
لذلك نقول إن لكل زمان أفكاره ومبادئه ونظرياته. فالعالم عبارة عن اكتشافات ونظريات، وأفكار متصادمة ، وأقرب مثال - إذا رجعنا إلى الأمثلة - نجد أقرب دليل على ذلك، ذلك الإفلاس المادي الذي سببته النظرية النسبية لأبرت اينشتاين ، فقد كانت الفيزيا الكلاسيكية قبل وقت ليس ببعيد تعد واقعاً مسلماً به في ذلك الزمان، فوزن حجرة معينة - مثلاً – هو وزنها الحقيقي وإن انتقلت إلى أي مكان، ولكنّ بعد أن جاءت النظرية النسبية ألغت ذلك الذي كان سائداً في ذلك العصر، أي أفلست هذا الرصيد المادي الذي كان يملكه الإنسان كحقيقة مسلــّم بها، إذ لم يعد وزن هذه الحجرة هو وزنها الحقيقي، فقد يخف أو يثقل وزنها في طبقة من طبقات الفضاء العليا ، وكذلك الحال في المحسوسات والمدركات الَّتِي هي من صنع الإنسان واكتشافاته. ونحن هنا لا نقصد بالمحسوسات والمدركات بالحقائق والثوابت الإيمانية الَّتِي هي أساس وجود الإنسان في هذا الكون.