وجد صعوبة بالغة في ارتداء بدلته الإيطالية هذه المرة ، في الأونة الأخيرة اكتسب عدة كيلوجرامات من الشحوم نتيجة شراهته المفرطة ، وبعد طول عناء ، نجح في حشر كرشه المتدلي داخل البدلة ، كان يتصبب عرقاً وتقطعت أنفاسه . وضع ساعة الروليكس في معصمه ولم ينس أن يتعطر بأفخر العطور الباريسية ، طالع نفسه في المراَة وشعر بالزهو ، ركب سيارته الفارهة وأشعل سيجاره وبدأ ينفث الدخان بعصبية ظاهرة وهو يتململ في مقعده الخلفي .
الزحمة خانقة في الصباح ، نهر سائقه بأن يسرع ، حار السائق المسكين ماذا يرد عليه ، ولكنه أذعن للأمر وبدأ يضغط على دواسة البنزين ،
- اللعنة على هذه الشوارع ، تبا لأنظمة المرور ! متى يتطور هذا البلد ؟ متى نصبح مثل الدول المتقدمة التي تحترم مواطنيها ؟
قبل حوالي شهرين كان يحضر أحد المؤتمرات كعادته في أوروبا الذي يناقش كيفية تحفيز الموظفين وتحسين الأداء الوظيفي ، جلس في كرسيه الجلدي الوثير وبدأ يطالع الأخبار في الصحف اليومية ، لم يجد ما يثير اهتمامه ، شرع بحل الكلمات المتقاطعة ،
بدا مدير مكتبه متهيباً وهو يقدم خطوة ويؤخر أخرى حاملاً بريد الصباح ،
- ماذا وراءك ؟ لماذا تقف منتصبا كالتمثال ؟
- سعادة المدير ... لا أدري كيف أبدأ ...... إنه ... إنه بخصوص أحمد .
- من ؟ من هو أحمد ؟
- سيادتكم ، إنه يعمل في قسم الأرشيف وقد قدم عدة طلبات مؤخراً بخصوص سلفة ،
أشعل المدير سيجاره الكوبي الفاخر والذي يحرص على اقتنائه من أفخر الأنواع وبدأ يرقب مشهد سحب الدخان الذي ينفثه في هواء الغرفة .
- ألم يأخذ سلفة الشهر الماضي ؟ انه جشع لا يشبع أبدا .
- سيادتكم ! لقد رزق بمولود الأسبوع الماضي .
- ما بال هؤلاء ؟ يتناسلون مثل الأرانب ، لماذا لا يخططون للمستقبل ، هؤلاء سبب تأخر البلد ، تباً لهم !
أخرج قلمه الباركر الثمين من جيب بدلته وبدأ يكتب ، " نظراً للظروف التي تمر بها الشركة ، يرفض طلب المدعو ، وبهذه المناسبة نهيب بكافة الموظفين ترشيد الاستهلاك و ممارسة سياسة شد الأحزمة "
ولم ينس أن يذيل توقيعه الذي تدرب عليه مراراً ، استدار نحو مدير مكتبه وبادره بالسؤال .
- سامي ! هل حجزت كل الطاولات في المطعم للوفد الأجنبي ؟ نريد أن نظهر أمامهم بمظهر لائق ، يجب أن تكون المائدة عامرة بما لذ وطاب ، مهما بلغت التكاليف ، ولا تنس الكافيار !
السويد – 19 / 05 / 2016
التوقيع
روحي تحلق بعيداً في الفضاء تخترق الاَفاق ، ترنو إلى أحبة حيث الشحرور والحسون يشدو على الخمائل أعذب الألحان . لما رأى الحمام لوعتي وصبابتي رق لحالي وناح على الأيك فهيج أحزاني وأشجاني . أتسكع في أروقة المدينة وأزقتها .. أبحث عن هوية ووطن ! ولا شئ غير الشجن . أليس من الحماقة أن نترك الذئاب ترتع فوق تخوم الوادي ؟