الأديب الطيب صالح يصف جدّه فى رواية: موسم الهجرة إلى الشمال
تمهلت عند باب الغرفة وأنا استمرئ ذلك الإحساس العذب الذى يسبق لقائى مع جدّى كلما عدت من السفر . إحساسٌ صافٍ بالعجب من أن هذا الكيان العتيق ما يزال موجودا أصلا على ظاهر الأرض . وحين أعانقه استنشق رائحته الفريدة التى هى خليط من رائحة الضريح الكبير فى المقبرة ورائحة الطفل الرضيع . نحن بمقاييس العالم الصناعى الأوربى فلاحون فقراء ولكننى حين أعانق جدى أحس بالغنى ، كأننى نغمة من دقات قلب الكون نفسه ، إنه ليس شجرة سنديان شامخة وارفة الفروع فى أرضٍ منّت عليها الطبيعة بالماء والخصب ، ولكنه كشجيرات السيّال فى صحارى السودان ، سميكة اللحى حادة الأشواك تقهر الموت لأنها لا تسرف فى الحياة !