يهمنا أن نلاحظ بأن سيمون دى بوفوار كانت حريصة طوال الوقت بالفلسفة وحبه لها ودوره هو كفيلسوف وصاحب مدرسة فلسفية وصاحب مؤلفات فى الفلسفة النظرية الخالصة تضعه فوق مصاف الأدباء والروائيين .
لكنه كان طوال الوقت أيضا يتهرب من تأكيد نفسه كفيلسوف وصاحب اهتمام أصيل فى الفلسفة وصاحب إسهام حقيقى فيها ويرد مؤكدا بالمقابل عبقريته الأدبية وتفضيله للأدب كفنٍ متفوق على الفلسفة . وكانت دى بوفوار تريد من سارتر أن يقول للأجيال الجديدة: هذه فلسفتى الوجودية ما زالت حية قابلة للاستمرار فخذوها واحملوا رايتها . بينما الرجل فى نهاية العمر وساعة الحقيقة لا يجد من الإيمان فى قلبه ما يدفعه إلى حمل هذه الدعوة وتأكيدها . علما أن المؤمنين بأفكارهم وفلسفاتهم يصبحون أشد اقتناعا بها وميلا إلى نشرها فى سنواتهم الأخيرة . ولكن الرجل صادقٌ مع نفسه وهو يرى أن مؤلفاته الفلسفية التى أحدثت دويا واجتذبت أتباعا كثيرين لم تعد تساوى فى نظره شيئا يُذكر . وقال إن الأمر كله عبثٌ ومضيعةٌ للوقت وبأن الفلسفة قد دخلت حياته بدافع الفضول والمنافسة بينه وبين قريبه الذى ميز نفسه عنه بدرس الفلسفة والتظاهر بحفظ أسرارها . أما لماذا استمر سارتر فى التأليف الفلسفى بعد ذلك فإنه يجيب بأن الأمر كله {حذاقة غريبة} وشعور بالمتعة للقدرة على التأليف . وبعبارة أخرى لإظهار الحذق والقدرة على التفلسف الذى يعجز عنه الكثيرون . أما إيمانه العميق بالأفكار الفلسفية ذاتها فإن سارتر يشككنا فيه كثيرا عندما يضيف إلى هذا كله عبارته الصريحة: .....ولكنى لم أرغب فى التفلسف واعتبرت ذلك عبثا . وليس مستغربا أن يشك سارتر فى قيمة فلسفته التى لم تقم على غير الشك والعبث كمنطقٍ فلسفى . رغم تأكيدها الالتزام والمسئولية والحرية كقيم إنسانية فردية .
فالإنسان فى النهاية ، حتى لو كان سارترا ، يبحث عما يعطيه الإيمان واليقين ويشعره بالمعنى العميق للوجود ، لا المعنى التبعىّ له . وذلك ما يدفع سارتر فى نظرنا للتعتيم على الجانب الفلسفى من حياته .
وسيندهش العارفون بإلحاد سارتر المُعلن عندما يقرؤون اعترافه الأخير التالى الذى قاله بالحرف الواحد لسيمون دى بوفوار فى موضعٍ آخر من محاورته الطويلة معها:
"أنا لا أشعر بأنى مجرد ذرة غبار ظهرت فى هذا الكون ، وإنما ككائنٍ حساس تم التحضير لظهوره وأُحسن تكوينه ، أي بإيجاز ككائن لم يستطع المجئ إلا من خالق".