كانَ الوقت باكراً جداً قبل أن تطئ قدمايَ تلك السوق العتيقة ، وقد بدأت للتو الجوامع تكبر إيذاناً لصلاة الفجر ، هي سوق طويلة ممتدة ومسقفة تقع على جانبيها دكاكين متلاصقة ، تضج بعامة الناس في صباح كل يوم وحتى المغيب كما جرَت العادة. ولكن ليس من العادة أن تشرع أبوابها في مثل هذا الوقت المبكر جداً والغريب في الأمر أن الدكاكين تبدوا فارغة رغم وقوف الباعة فيها ورغم حشود من الناس التي كانت تنتشر من على جانبيها ، ياالهي!! لمَ تبدوا أيديهم فارغة من البضائع والحاجات؟ لَم تمنعني التساؤلات من نهمي المتزايد في مواصلة السير على أمل أن أجد فيها مايباع أو يشترى لاسيما ضالتي التي أبحث عنها وهي طعام الأفطار فأنا أعشق طعام الأسواق كثيرا وقد بدت قواي تضعف قبل أن أصل إلى منتصف السوق ، فقلت لنفسي لايهم فما زلت في أول المشوار وبنفس الوقت كانت عيناي ترمق الدكاكين يميناً وشمالاً وكأنها دارا بوار ياسبحان الله ، ثم مشيت ومشيت الى أن وصلت إلى منتصف السوق وحينها رأيت فرعاً ضيقاً يطل عليه فراودني الفضول إلى الدخول فيه وبعد أن دخلت رأيت دكاكيناً من القصابة وكان الباعة يقفون أمامها وهم يصدحون بأعلى أصواتهم لحث الناس على الشراء فكان هناك زخماً كبيراً وحركة قد أثارت انتباهي ، فأمعنت النظر نحو أحد الدكاكين وتفاجأت مما رأيت. ماهذا بحق السماء؟ انها أجساداً بشرية متدلية بالسلاسل من على سقوف دكاكين الجزارة وهناك أيضا أواني كبيرة بداخلها دماءً ورؤوساً آدمية وأقدام وأيادي مقطعة . بلغ بي الرعب حدوده ثم خرجت مسرعا لأعود نحو منتصف السوق ! وتساءلت ياالهي!! مالذي يجري هنا!؟ وهل أنا في حلم أم علم؟ هممت نفسي لأخرج من هذا السوق اللعين ، فواصلت المسير وقبل أن أصل لنهاية السوق رأيت أناساً يتجمهرون بشكل دائري وهم يتدافعون ويتشاجرون فيما بينهم، وكان كل شخص منهم يريد أن يسبق الآخر إلى الوسط. ذهبت مسرعاً نحوهم لأرى مايحدث. فكانت تلك أمرأة متّشحة بالسواد وجالسة على الأرض وقد وضعت أمامها قطعة قماش فارغة وهي تنادي وكأنها تبيع شيئاً!! ولكني لم أرى شيئاً تبيعه ، والأكثر غرابة ان الناس يطلبون منها أن تبيعهم رغم انها لاتبيع شيئاً. فلم هذا العراك والصياح إذن؟ هززت يدي ثم مشيت وقبل أن أبلغ نهاية السوق وما أن تعديت آخر الدكاكين لاحت لي الشمس خلف الأفق وهي تغرب وبعد لحظة سمعت صوت آذان المغرب ، ياللعجب!! فأنا قبل دقائق وعند دخولي إلى السوق كان آذان الفجر قد أقام افبهذه السرعة وصلنا الغروب ؟ وخرجت كما دخلت لاأحمل شيئا. وإذا بي أفزّ من نومي وأنا مستلقياً على فراشي وقد سمعت آذان الفجر الحقيقي. ياالهي فأنا في حلم إذن!؟ الحمد والشكر لك ياالهي فأنا كنت أحلم. ولكن مالعبرة في كل هذا يااله الكون!؟