اجتهدت كثيراً لأجد وصفاً مناسباً للحالة الإعلامية الفلسطينية في الوقت الحاضر، فلم أجد إلا وصف " فوضى " تليق به، لأن حمى الفوضى أصابت معظم درجات الهرم الإعلامي الفلسطيني، وفكرة العنوان مستوحاة من اسم لأحد الأفلام المصرية التي أنتجت مؤخراً، وبالتأكيد لن يتحدث المقال عن الفيلم ..!! إنما سأتناول فوضى أخرى متزايدة، أدت إلى إحداث خلخلة في نسيج العلاقات الاجتماعية داخل المجتمع الفلسطيني.
للإعلام دور مهم أو هو الأهم في تماسك المجتمعات وتحقيق تطلعاتها، وبدلاً من أن يكون إعلامنا الفلسطيني موجهاً لخدمة قضايانا الأهم، وعلى رأسها الخلاص من الاحتلال، وتوجيه جل الطاقات لمواجهة العدو في معركتنا اليومية معه، وفضح سياساته، والتركيز على ما يقوم به من أعمال يومية تدميرية، تستهدف القضاء علينا في جميع المناطق الفلسطينية؛ نجد أننا وجهنا ها نحو الصراع السياسي بين الضفة وغزة، وعمقنا الانقسام .
بعد الانقسام وما خلفه من آثار تدميرية، تسابق الحزبان الكبيران (فتح، حماس) إلى إنفاق أموال باهظة على امتلاك وسائل إعلام مختلفة، " في المرئي قناة فضائية لكل منهما" فضائية الأقصى، والفضائية الفلسطينية، وفي الإعلام المسموع هناك محاولة لإنشاء عدة محطات إذاعية في كل من الضفة وغزة، وفي المكتوب هناك صحف تخدم أغراض الحزبين نفسهما، وفي الإعلام الالكتروني سعى كل من الحزبين لامتلاك مواقع الكترونية لتأجيج نار الفتنة أكثر، فأنشأت حماس شبكة فلسطين للحوار، وأنشأت فتح الملتقى الفتحاوي، وللحق فإنني اكتفيت بنموذج واحد كمثال على كل نوع، مع علمي المسبق أن الأرقام تشير إلى أكثر من ذلك.
وحتى الإعلام الرسمي الذي من المفروض أن يكون بمعزل عن هذه الفوضى، رسم له دروباً متعرجة زاغت عن الدرب الصحيح، فزج في آتون الفوضى التي اجتاحتنا من الجهات الأربع، فما عدنا نميز بين الأبيض والأسود، وأصبنا بحُمى اغتراب عن الذات، اشتعلت كنار في الهشيم؛ فكل قيمنا السامية أصيبت بمرض عضال يصعبُ الشفاء منه .
واهم من يظن أن بامكانه تغييب الآخر حتى لو سيطر على إعلام الكون ..!! والسير بنهج كهذا غير واضح المعالم، لن يجلب لشعبنا الذي يعاني من ويلات الانقسام إلا مزيداً من العذابات، وستُبقي الاحتلال جاثماً على صدورنا أكثر فأكثر، والمطلوب الآن إنهاء حالة الفوضى؛ والكف عن العبث بالمؤسسة الإعلامية التي من المفروض أن توجه طاقاتها نحو إنهاء الانقسام، قد يلومني البعض على وصف المشهد الإعلامي الفلسطيني الآن بالفوضى، وعذراً فلم أجد فيه إلا الفوضى والعبث بالقيم النبيلة.. أخشى ما أخشاه أن تصبح الفوضى جزءاً من سلوكنا الجماعي فلا يمكننا الخلاص منها إلى الأبد..!!