ضاقت ذرعا نغم بعالمها القاتم، واخفاقاتها المستمرة، فقررت خوض التجربة وحدها ،عندما يئست من عالمها ومن اخفاقاتها المستمرة رغم نجاحها واصرارها يئست بعد أن استنفدت كل طاقة لديها ،أقفلت عيناها وتخيلت أن هناك عالم آخر بداخلها ،قامت بخلقه داخل مخيلتها ،كان عالما كما كانت تحلم به ،عالم سماوي هائل ،لطالما تأملت السماء مرارًا وتكرارًا ، شعرت بعظمة الخالق لطالما زال ضيقها وحزنها ،حينما تأملت السماء فقد اكتشفت أن تأملها للسماء ؛ جعلها تتأمل الأرض ،والشجر، والماء ،والزهر والألوان، والهواء، وحتى أجزاء الذرة، جعلها تتأمل كل شيء، حتى الإنسان حينما تطيل النظر إلى الإنسان ،تشعر بخوف لطالما تأملته وقالت إنه مخلوق مخيف ،عينان ذو شكل معين ،وأنف ذو فتحتان ،وأذنان ،وشفتان ،وفكان للأسنان ،ويدان ،ورجلان، وكليتان، ورئتان ،لقد شعرت بحب للرقم اثنان وبثنائيته العجيبة في الكون، الليل والنهار ،الشمس والقمر ،النجوم والكواكب ،المجرات والنيازك ،الشهب والمجرات . الأب والأم ،الذكر والانثى ،الحب والكره، الشر والخير، العمى والبصر، الصلاح والفساد ،النية والمصلحة ،القسوة والرحمة ،الألم والفرح ،المرض و العافية ،السعادة والحزن ،البسمة والتشاؤم الجبروت واللين ،الطيبة والنكران ،الوفاء والجحود، كل شيء اثنان بل إن أغلب نواقيس الكون ،تندرج ضمن الرقم اثنان ،حقا هو رقم الصداقة الحقيقية، الأخوة الصادقة ،هو رقم كلمة حب، هو رقم صغير ،ويحمل معاني كثيره مبثوثة في كون واسع ،وحالم كون صنعه قدير، كون لا يسعنا إلا ذكر الله، وشكره على إبداعه و إغداقه علينا بالنعم التي لاتعد ولا تحصى ،اللهم لك الحمد على كل شيء عندما نتأمل مخلوقات الله، نشعر بطاقة هائلة للحب والسلام والشفافية ، نشعر بنقاء أرواحنا ،نشعر بطاقة هائلة للحب والعطاء والتسامح . حينما غرقت بتأملاتي الكثيرة، وعشقي للسماء ،ولجمالها أقفلت عيناي، وقررت أن أزورها، لقد رأيت هناك درج من السماء تشكل لي وأنا كنت أصعده بأبهى حلة ،كأميرة اسطورية، تتوج ملكة على قصصها، صعدتها ورأيت بها قصورا ،وأزهارا ،رأيت بها كل شيء كان لونه أبيض ،كل شيء كان موجود، يا للروعة! ويا لجمال اللون الأبيض! الذي أنعكس على داخلي، فغدت نفسي مشرقة ،ونقية، كالصفحة البيضاء ،كانت السماء بالنسبة لي كل شيء ومازالت ،فهي رمز العلو، والكرامة ،والشرف ،والنقاء، لقد استمتعت بتلك الرحلة، التي لم أصحب فيها أحدًا سواي ،أحببت التفرد بها لوحدي ،أجل لقد كنت أنانية أعلم ذلك ،ولكن أن تأملتم السماء وجمال السحاب ،وإبداع خالقها سيراودكم نفس احساسي في التفرد بهذا الجمال ،للنهل من نقائه وهدوئه الذي يزيل فوضى الحياة ،وفوضى النفس المضطربة ،التي تنشد إلى الكمال في كل حال، النفس التواقة للفت الأنظار، للحب ،للسلام ،للتميز، هذه النفس الحقيقية داخل كل فرد منا ،جبلنا عليها وفطرنا عليها ،ولكن الأنسان الذكي، هوالذي يحاول أن يرتقي بنفسه ،وأن يكون هو لا غيره ،هو من يبحث عن العلوم النافعة في الكون ويتزود منها وينهل، بعمق ويعيد صقل وتهذيب شخصيته من جديد ،يعيد صقلها بما ينفعها ،كل شيء موجود ولكنه موجود بشكل سلبي وإيجابي الإنسان الذكي ،هو من يقبل على العلوم الإيجابية يتعلمها ويقرأ منها بشغف ويستفيد، ويطبق، والعلوم السلبية التي تعيق الفكر وتفسد العقل، والقلب ،والروح ،لا نفع منها، يضع عليها علامة خطأ بخط أحمر في عقله، ومخيلته، ولا يقربها أبدا لأنها بقدر ما ستثري حصيلته العلمية ،بقدر ما ستتلف روحه وطاقاته في التفكير بما لا نفع منه ،بل ستستحوذ على تفكيره فترة طويله، وستعطل طاقته، وتشغل كيانه بما لا نفع منه . الإنسان كالطفل/ يظل طفلا في داخله هو لا يكبر حقيقة إلا بمستوى عمره فقط، هذا الإنسان النقي فقط الذي يقبل على العلوم النافعة ،ويهذب نفسه باستمرار، هذا الإنسان الذي يزيل أحزانه وأكداره وغضبه من نفسه يوميا، ويعمل لنفسه عملية سكب الطاقة السلبية بكل أنواعها ،في نهر الحياة الجاري ،ليتهذب أسلوبه وتنقى نفسه ،وتصفو سريرته، ويغدو كالطفل نقيا من الداخل والخارج ،لا يعكر صفو حياته شيء، نقيا روحيا ،وفكريا ،هذا الانسان دائما يكون بحالة تجدد في داخله، يشعر أنه كالطفل الذي يذهب كل يوم في نزهة للبستان ،يتأمل البحيرة الصافية، والاشجار الوارفة الخضرة، يتأمل العصافير الملونة ،ويسمع تغريدها الجميل، يتأمل الأزهار فائقة الحسن والجمال، يقطف منها ويشم عبيرها فيحضره الإلهام ،فيرتعش قلمه، يفترش الأرض، ويكتب ما يشعر به، يكتب لنا خلاصة نقاء روحية ،قام بفعلها لنفسه، لقد انصهر في جمال الطبيعة ،فولد لنا أجمل نص صادق، خرج من الروح ولامس الروح كانت نغم هكذا؛ تتأمل كل شيء ،حتى أدق التفاصيل في حياتها وفي كونها ،تتأمل، وتتعلم ،وتطبق ،وهذه هي الطريقة الصحيحة للتعليم الفعال، والإبداع المستمر ،الذي يشعل النور للأخرين بعد أن يشعله لنفسه، وينعكس على الأخرين ظلت نغم مكبة على القراءة ،قرأت في الآداب العربية ،وكتب الشعر، والأدب ،فنقحت ذائقتها وصقلت موهبتها وتفجر إبداعها في الكتابة . أطلعت على التنمية البشرية ايضا، وتعمقت بها قرأت بعلم النفس وعلم الاجتماع، شغفها باللغات لم ينسيها أن تتطلع على بعضا منها وتحفظ بضع كلمات، كانت تحب العلم بكل فروعه، وتحرص على الإطلاع عليه بشتى الوسائل ،لكم شعرت بالنهم أثناء القراءة لقد عشقتها بحق، وتزودت منها رغم أنها مرت بصعوبات ،وعقبات في طريقها ،إلا أنها رفضت الإنهزامية التي فرضها عليها مجتمعها ،وكل المحيطين بها. رغم أنها كانت تحبط من الجميع ،وكانت محط سخرية مما تقدم ولم يلقى لكتاباتها وإبداعاتها أي صدى، أصرت على التحدي وزادت رغبتها في أن تثبت نفسها، وتثقف نفسها، لقد أقنعت نفسها أنها هي التي على صواب، والبقية مخطئون ،و اجتهدت أكثر وأكثر، وتعلمت ،وثقفت نفسها، لقد أقسمت على نفسها أن تأخذ بيدها إلى النور، أن تقدم شيئا هاما ومفيدا للأمة الإسلامية يتحدث به العالم أجمع ،هي تعمل على ذلك ولازالت تعمل ،لقد تحقق جزءا مما كانت تحلم به ، ولازال سيتحقق حتى لو كان خلف قناع، هي قصدت ذلك حتى ترد لهم الصاع صاعين ،عندما يذاع صيتها تواجه كل من أنكروا انتمائها لعالم الكتابة، ورأوا ما كتبته وما تكتبه مجرد خربشات خفية، لن يراها أحد، ولم يراها سترد لهم الصاع صاعين ،وستقول لهم هذه أنا ،التي لم أكن لكم سوى مخلوق خفي لم يلاحظ وجوده أحد ،هذه أنا التي لا يوجد سواي في عالمكم أيها الحمقى؟هذه أنا التي أنتم مبهورين بي الآن وتتحدثون عن إنجازي؟ ولا تعرفون حقيقتي حتى؟ بعض المجتمعات تعاني من عقد ؛ترى أن الفتاة كائن لا يلاحظ ولم يلاحظه أحد ،كائن خلق للرجل فقط ،ولا عمل له سوى التفرغ للبيت ،وتربية الأبناء. هذه مجتمعات معقدة ،وتعيش في عقدة الحقبة الجاهلية ،التي لم تشهد الثورة ،والأنترنت، والتقدم التكنولوجي، والتطور الحضاري ،والرقي الفكري ،أمثال هؤلاء حرام ؛بأن يعيشوا بمجتمع كمجتمعنا بل عار عليهم أن يشهدوا هذا التطور الهائل، والزحف الحضاري و لا يتأثروا به . مكان هؤلاء الصحيح هو أن نخترع آلة زمن، ونعيدهم إلى حيث ينتمون ،العصر الجاهلي لأنهم أعداء الفكر والتطور. نغم فتاة في أوائل العشرين ،تنتمي وبكل آسف لهذه المجتمعات التي ترى أن الأنترنت عار على الفتاة ،وأن التقدم التكنولوجي والتطور الحضاري يفسدها، نغم فتاة أرغمت على أن تعزل عن عالمها وحضارتها، وظلت تربى بمفاهيم قديمة وعادات بائسة، ظلت أسيرة تلك الحقبة . لم تستسلم نغم فقد كانت تختلف كثيرا عنهم، قررت أن تبدع وأن تعيش عالمها، وقرنها ،لا عالم الجاهلية واظبت على قراءة الكتب ؛في كافة المجالات، وتثقيف نفسها وسايرت التطور بأسماء مستعارة، فقط كي تشق طريقها بداية وتتعلم ثم حينما تصبح مشهورة ومبدعة بحق، يحين الوقت لكشف الستار عن اسمها الحقيقي، وتكمل ماشقته به نغم هي ضحية مجتمع بدائي ،وفكر عقيم، لكنها استطاعت أن تجعل الأمر في صالحها، وسايرت التطور، وعاشت به وأدت دورها وقدرها كما كتبه الله لها، نغم وغيرها هؤلاء هم من يستحقون الاحترام ،لأنهم هم من يعلمونا أن الحياة من دون صعوبات ،لاتعد حياة وأن الحياة السهلة، اليسيرة، تشبه حياة الأموات ،لا حركة فيها سوى الركود والجمود. لقد اصبحت نغم معجزة لا ضحية ؛بسبب اصرارها العجيب على العلم، والتطور، وإفادة الغير بما تكتب. كان لنغم صديقة وفية تدعى شجن ،كانت وفية بحق ،لقد شجعت نغم كثيرا، وأخذت بيدها في دروب النجاح، ساهمت شجن في تطوير وصقل موهبة نغم ،فكانا يذهبان معا إلى المكتبة ،ويقرأن بنهم، وكانا يراجعان ما قرأوه وهكذا ،حتى صقلت موهبتهما كانا سعيدتان جدا بموهبتهما، وصداقتهما ،لقد أحدثت نغم تغيرا كبيرا في شخصية شجن، وكذلك شجن غيرت بها الكثير، زالت عنها غطاء الوحشة ،والريبة، وجعلتها تتصرف بعفويتها وتلقائيتها. ذات مساء حالك ،قررت شجن الابتعاد فجاءة عن حياة نغم هكذا فجاءة، بعد أن تعلقت بها ولم تحلو الحياة لها إلا برفقة شجن ،في دورب العلم، تضايقت نغم من قرار شجن المفاجئ، وعدم اعلامها به بل تم فجاءه وبصمت قاتل، ربما شعرت شجن بالغيرة من ترف احدى صديقات نغم القدامى، ظلت نغم تردد على مسامع شجن ذكرها إلا أن ملت شجن ،ورحلت ربما يكون هذا السبب . حينما نشعر أن هناك من يقاسمنا من نحب ،نؤثر الابتعاد على مقاسمته كي لا نؤلم قلوبنا ، ولا تجرح لأن صداقتهما كانت أثمن شيء وأروع شيء شهدته في حياتها. صداقتهما كانت بمثابة الدم، الذي يضخ به القلب صداقتهما، جعلت للحياة طعما آخر في نظر كليهما غابت شجن فجاءة ـوخلفت ندوبا في قلب نغم. اعتزلت نغم الجميع ،وفقدت صوابها ،وظلت تبتهل إلى الله وتتضرع أن يحفظ لها شجن، وأن يعيدها إليها سالمة معافاة كرهت الجميع ،وكرهت الكتابة؛ إلا من أجلها فقد كانت تقبل عليها بشغف؛ رغبة منها في أن تقرأ رسالتها الصامتة وتعود إليها. شعرت بسبب غياب شجن بالحزن والألم، ولكنها عاتبة عليها أنها لم تعرف قيمتها ومكانها في قلبها ورحلت فجاءة ظلت نغم ترثي الكلمات، والنسمات، وتشيع الكلمات كل يوم لتستقبل شجن فقد كانت مخطئة، ظنت أنها لم تكن سوى محطة عابرة في قلب نغم، لم تدرك شجن أنها ما كانت تحلم به نغم ،كانت تحلم طوال حياتها بصديقة وفية، ومقدرة للصداقة ،تشبهها في الظروف القاسية، وفي الصفات، تتشبث بها مدى الحياة ويظلان صديقات طوال العمر ظلت نغم ترسل الرسائل ،بشتى الوسائل لشجن ،ولكن لا مجيب؟! لم تكن تجد ردا، وكان قلقها يزيد، وتبتهل إلى الله أن يحفظها وأن تكون بخير سالمة معافاة فقدت نغم الحنان، والجمال ،والحب ،وكل شيء بغياب شجن لقد انكمشت على ذاتها ،وظلت تبكي، وتدعو الله ليل نهار، أن يحفظ شجن لها حينما استنفدت نغم دموعها ،وطاقتها المحدودة في بكائها على شجن. قررت أن تلجأ لمنقذها الوحيد، والذي تلجأ إليه دائما كلما ضاقت الظروف وقتلها اليأس الخيال والأحلام ،كانت نغم تغط في خيالها، وتتخيل أنها برفقة شجن، وأنهما يقضيان الوقت معا في القراءة، والعلم كالعادة ،ظلت تحلم بشجن، وتبتسم بعمق، ودموعها تخذلها . كانت شجن بالنسبة لنغم ،حلم ظهر فجاءة بعد طول انتظار وأمل قوي بحدوثه، حلم حقق المستحيلات في حياتها، كانت شجن صديقة نغم المقربة ،والتي تفهمها، وكأنها كتاب تتصفحه وهي كذلك . ولم يعد للواقع وجود في حياة نغم، وسيعود الوجود لنغم إن عادت شجن . لقد أحدث غيابها هزة عنيفة في قلب نغم، وعلمها أن لا تتعلق بأحد لأنها ستتعب كثيرا لفقده، وستشعر أنها فقدت كل شيء وبذلك تتعطل حواسها، وافكارها ،ويكف نهلها من العلم، وتسيطر عليها فكرة رحيل من تحب فجاءة جلست نغم مع نفسها قليلا، لحظة تأمل كالعادة، حينما تضيق عليها نفسها، وعالمها. وقررت أن تنسل بالتدريج، من حب أي شخص، والتعلق به إلى حد الجنون ،لأنها حتما ستفقده ،وستتعب كثيرا وقد تستغرق وقتا طويلا ،للرجوع إلى طبيعتها . وضعت نغم في خلوتها مع نفسها قائمة بالأولويات التي تود أن تطبقها في حياتها وهي: 1/ أن تحب الله أولا بعمق وتجعل لها نصيبا من عبادته والتقرب منه يوميا ،كي ترتاح روحها وتنعم بالاستقرار الروحي والصفاء الداخلي. 2/ أن تحب والديها كما هما لاكما ينبغي أن يكونا وتحاول أن تتقرب منهما وتحرص على رضاهما ودعائهما. 3/ أن تحب نفسها ،ثم نفسها، ثم نفسها ،ثم نفسها بعمق تتأمل جمالها تحب كل جزء بها ،وتقدره وترتقي لأن تطور نفسها بالثقافة وسعة الاطلاع، وأن تختار العلم على أي صديق، لو اضطرت لذلك؛ لأن العلم هو الجليس الصالح الذي يظل وفيا ،ولا يترك صاحبه أو يبعد عنه بل يزداد قربا منه، كلما ازداد نهلا منه، ازدادت خبرته وحصيلته الثقافية فارتقى الإنسان بنفسه وأغنته الكتب عن ألف صديق. 4/ أن تحافظ على الاصدقاء الأوفياء ،وتبقيهم ولا تتخلى عنهم أبدا مهما ساءوا، وتغيروا ،أو مهما جرهم طوفان الحياة ، بل تظل وفية كما هي ،وفية لأجل حبهم ،ولأجل وفائهم معها.