كتاب
نفحات جمالية في صدر المعنى
خارج أي قسطرة
رحاب حسين الصائغ
الحداثة العربية شعرا.. رؤية نقدية
رحاب حسين الصائغ
الحداثة ترتبط بكل صيغ المعرفة والتعبير عنها من خلال طاقات كبيرة.
وتدخل في تراكيب المادة التي تعالجها وتعمل على تعطيل الظلام في أفكار بالية قائمة.
وبصفة حاسمة هي لنشر المعرفة الجديدة وتقوم بتفسير وجود طاقات خلاقة للروح البشرية لظاهر المعنى المحتوى تصوراً.. أما في الفن والأدب فتصبح ظاهرة في عالم الإدراك أي كشفاً للذات، وللغة الضوء المعكوس للصور الداخلية لينابيع التكوين في الفرد.
إنها من أصل عربي ففي الحضارات القديمة ظهرت الحداثة بشكل أو بآخر.. فنحن في مجمل بحثنا هذا نبحث عن أصل الحداثة وعصرنتها فلولا وجود التحديث لما تطورت أمة ولا تقدم شعب نحو الأفضل، والحداثة أصلها وسبب قدمها هو أول الحضارات التي قامت في وادي الرافدين (فملحمة جلجامش) كلها تحمل الحداثة في جذورها، ولولا بحثه عن الخلود الذي لم يجده إلاّ في قعر داره عندما عاد ليجدد كل شيء، فكان في عصره المفهوم الحضاري يحتاج إلى نظرة من ذلك الإنسان إلى الكون والمجتمع فشرع في استنباط القوانين والتحديث من خلال مفهوم جديد لنظرته إلى الكون، وما يحيط به من المحاولات التحديثية إلى التغيير والتطور في الفهم والمعنى الذي يطلق عليه (الخلود) فأصل الحداثة والدافع الأول لها البحث عن الخلود ولولا هذا ما فكر الإنسان في الجديد من المعرفة، ومحاولاته هذه قادته إلى أسرار الكتابة والصناعة والزراعة واكتشاف العلوم الأخرى، ولكن بطبيعة الإنسان وامتلاكه المشاعر والحواس التي تعمل على تحريك تفكيره ومدركاته ومفاهيمه فانطلق من الشعر والرسم والنحت، وأصبحت للشعر قدسية ومفهوم إدراكي أساسي في الحداثة.
فللشعر موسيقى خاصة لها وقعها على النفس والفكر وجميع الحواس فتطورت اللغة وتكونت أسس الحداثة عنده، واللغة لا تموت ولا تشيخ مهما أصابها من تغيير في قواعدها وقوالبها على مر العصور، ولكل عصر أصل لحداثة جديدة ومفهوم مختلف.
أما معاصرة الحداثة: فهي كل ما يواكب فترة التطور الحاصلَّ والتغيير في الزمن الذي يحدث فيه ثورة على كل المفاهيم القديمة والعمل على قلع أفكارها البالية.
فمثلاً بعد الحربين العالمية الأولى والثانية حدث تطور هائل في المفاهيم الحداثة، كمن يحيا ليلة رأس السنة يترك ما في السنة الماضية من وجود لبقاياها والتعلق بالسنة الجديدة والدخول في مجاهيلها.
أن للحداثة العربية تاريخاً قيماً مساوياً لحق القدم العربي، والحداثة الشعرية هي ليس مخترعاً غربياً وليست بصناعة مستوردة، والحداثة بوصفها قضية نقدية وضعت الشعر نصب عينيها خاصة الحديث منه، الخارج عن قالب( الموزون) وما طرأ من تغير على مفاهيم الشعر واللغة الشعرية فالنقد القديم كان مدافعاً وحذراً، أما النقد الحديث المعاصر فهو من يتشبث فقط بالتشبيه بالغرب، كَأنّ الشاعر العربي عندما حاول تطوير مفهومه لغته الشعرية والابتعاد عن الشعر العمودي قد ارتكب جريمة لا تغتفر بحق لغته العربية وشعره العمودي، فلماذا؟ فالجمالية المتوارثة فيما يخص الصورة الفنية والمعاني الشعرية أتت بما يناسب التطور الحاصل ويتماشى مع التحسس لملمس الحياة الخشنة بمظاهرها البراقة فزمن السرعة هذا هو ما فرض التحديث بهذه الصورة، فالشاعر فيما مضى يطول عذابه بعمق اللحظة التي داخله، أما الشاعر المعاصر والمحدث فلا يستطيع أن يعيش مدة العمق في اللحظة لأن الوقت قد يغلبه في كثير من اللحظات. والناقد لا يقيس العمق في الإحساس بل العمق في الصورة والجهة الجمالية الفنية في التعامل مع القديم والحديث من الشعر ومن خلال هذا التحسس في مجال نقدهِ.
لهذا ذهب الناقد المعاصر في تفسير نشأة الحداثة الشعرية عدة مذاهب مختلفة وهي تفسير التأثير الثقافي والتفسير الاجتماعي والتفسير النفسي والتفسير الذوقي.
أما التفسير الثقافي والاجتماعي فهما الأكثر شيوعاً فقد تمت النظرة إلى المثاقفة مع الغرب على إنها هي الأساس في نشأة الحداثة العربية.
ويعني هذا الفكر الإبداعي العربي متغيب والوعي الثقافي عند المثقف العربي معدوم فهذا خطأ كبير في فهم نشأة الحداثة عند المثقف العربي المعاصر.
لو إسترجعنا مفاهيمنا إلى القضية الجمالية في واقع المعاصرة العربية للحداثة والشاعر بالذات لفهمنا كم هو مغبون ذلك المثقف العربي المعاصر من حيث التفكيك لشخصيته ولشاعر يته، والناقد أيضاً قد يكون متهم(؟؟؟) بالعبثية الحداثية المعاصرة .
فكيف وهو ينقد الشاعر العربي وهو العربي،،،، ولا يقَدِر ثقافته وفكرهِ العربي المجتر من حدة الفهم لبنية المجتمع العربي؟.
فللشاعر العربي فضاءات تختلف عن فضاءات الشاعر الغربي، فما الذي يحمل الناقد على التشبيه بمثال أوروبي، إن الشاعر العربي له صورة رسمها تحمل فلسفة اللحظة في عمق الحدث، والشاعر العربي يؤصل ذلك الموقف بلغته كأنه يحفر على الصخر بأظافره حرفاً حرفا وعلى الناقد التريث في محنة الشاعر العربي والبنية التأثيرية من أجل عروبته، متمسكاً بمبادئ عقائدية وسياسية لها ما لها من تأثير واضح على مر التاريخ أي أن الوضع العربي السياسي والاجتماعي والأخلاقي الموروث من تقاليدهِ ووعيهِ المتعالي في المحافظة على قيمة مكانته في معاصرة الحداثة تركت للمثقف العربي والشاعر بالذات الخطوات الصعبة في التخطي على الرغم من كل ذلك,
ما الذي نرفضه في الحداثة: حقائقها أم طبيعتها؟
إن للحداثة جوهر خاص وهو عين الجوهر المعاش وان أول من يحافظ على أصل الحداثة هو الشاعر من منظور أساسي للتراث والتاريخ الحضاري وعلاقته بالواقع الاجتماعي والنفسي العربي، وللأدب أسلوب خاص في حد ذاته وهو التعبير عن ما يعتلي النفس البشرية، وعندما يكتب الشاعر شعره بطريقة النثر لا يعني أنه قد أهمل الجانب المعروف أو تجاوز المفاهيم في احد المجالات من أجل الانتماء إلى مجال آخر، ولكن هو استراتيجياً حاوي للجميع ورغبةً منه للوصول إلى طرح فهمه وتحديد وضع الاضطراب الحاصل لبعض الأنساق.
ولكي يتحد مع بعضها ويوضح موقفه في خلق شكلاً لمعاني مفرداته متفرداً في محاولة الرجوع إلى نفسه ليس بالتقليد أو الكتابة دون تكلف، بذلك لا يعني نفي الجوهر بل الكتابة بصورة فنية تحسها ويدركها كما يفهم رؤيته ومع كل هذا نجد أن كل ما هو جديد غير مرغوب فيه لأنه خارج عن المألوف.. وليس بسهولة اعتناق الجديد.
تعريف الحداثة لغوياً: إنها أول الشيء وابتداؤه، ووحدة الإتيان بما لم يؤتى بمثله، والتحرر من النقل والاقتباس في الأسلوب أو في المضمون، وكان (أبو نواس) هداماً للقديم في خمرياته مؤسساً للجديد في مدائحه، وكانت عقيدته أن يكون الشعر مظهراً للحياة وصورة للمجتمع.
الحداثة كمصطلح:استخدم لفظ الحداثة لمجموعة من حركات التحديث والتجديد التي جاءت لتحطيم الواقع، في الرومانسية/ الانطباعية/ السريالية/والتي ديدنها التجريد.
والحداثة عامة لها خيال واعي خلاق، وتستطيع تحويل كل ما هو بسيط وساذج غير ذي بال إلى مضمون بصورة محدثة تحتوي التجديد لتخليد تلك اللحظة وتبقى معاصرة لزمنها، والحداثة هي حبل الربط في المداخلات بكل الأنظمة والأصناف للأشياء التعاملية التقليدية وغير التقليدية وطرف في كل تفاعل وأصل كل حدث في الخيال الشعري والتكافؤ لضدين في علم النفس، وتشابه الفيزياء عند التحليل والتجزئة، والطاقة النسبية تقول إن المسافة والزمن ليس بعدان متناقضين، وحتى الحلم تختلف تفاسيره من لحظة إلى أخرى لينتج عنه منطوق جديد لمعرفَه مختلفة تغني الإنسان بالادراكات في الوعي وتوخز المشاعر في حدة التضاد الموجودة فيما يحدث وتسمى حداثة العقل والوعي المحدث بمفهوميهما الناقل من لحظة وقوع الحدث إلى لحظة تقبل الحالة وهي الإثبات، والحداثة ليس هي حالة ضبابية /بل حالة جمالية.