منذ أن وعيت على هذه الدنيا, وأنا أنتظر اللحظة التي تتحرر فيها أمتنا من الجور والطغيان وكافة أشكال الاحتلال والهيمنة. وفي سبيل هذه الحرية الغالية, بذلت قصار جهدي, وعانيت الأمرين لأنني وفئة قليلة وقفت في وجه التيار الجارف, وكنت في كل مناسبة كمن يغرد خارج السرب.
واليوم, ومع هبوب عواصف "التغيير" على الأمة, والتي حصدت إلى الآن أعفن رأسين تحكما في مصائر أهلنا, وباعا الأرض والعرض, وخانا الدين والعروبة. فكيف لا أنتشي بفرحي وأنا أعيش هذه اللحظة التاريخية, التي انتظرتها وانتظرها غيري عقودا.
وحين اقتربت العواصف من ليبيا, تألمت لأنها قصدت مكانا غير الذي نطمح إليه, لكن قلت قدر الله وما شاء فعل, والشعب العربي الليبي أدرى مني بحاله, وبحكامه. فمرت أيام ثلاث بلياليها لم تجف لي دمعة, من هول ما رأيت على شاشاتنا "العربية" من مجازر وانتهاكات في حق إخواني الليبيين. لكن اليوم الرابع حمل لي مفاجأة أذهلتني ولجمت تفكيري, ففي هذا اليوم أدركت بما لا يدع مجالا للشك بأن الرئيس المصري المخلوع محمد حسني مبارك قد صدقنا لأول مرة منذ أن اعتلى كرسي الرئاسة, حين تحدث عن مؤامرة صهيو ـ أمريكية, لكننا لم نصدقه لأننا اعتدنا على كذبه.
أجل إخواني: لقد تيقنت بأن حديث مبارك عن المؤامرة الصهيو أمريكية كان صحيحا, وما يحدث الآن في بلد المختار لا يعدو أن يكون حلقة جديدة من حلقات هذه المؤامرة الخبيثة, والتي تهدف لتطبيق كل ما نظرت له الشمطاء كونداليزا رايس إبان اعتلائها لسدة الأمن القومي, والخارجية الأمريكية. فهاهي الفوضى الخلاقة تسعى دائبة لتشكيل شرق أوسط جديد وفق الرؤى والتطلعات الأمريكية والصهيونية, وهاهي ليبيا الأبية, مسرحا حيا لعدوان جديد, لا يختلف عن العدوان على العراق إلا بالوسيلة. فبيدق هذا الاحتلال وهذا العدوان, ثلة من المأجورين, والحاقدين, والحالمين, والمغرر بهم, وستفرش دماء هؤلاء السجاد الأحمر للغزاة إن لم نستفق من غفلتنا, ونقف إلى جانب الحق بكل ما نملك من قوة.
للأسف الشديد نحن العرب قد انجررنا وراء الأباطيل التي روجتها الجزيرة والعبرية عما يقوم به الزعيم الليبي معمر القذافي من قصف للمدن وقتل للابرياء, واستحلال للدم الزكي دون حق. فكل الأخبار التي تردني من قلب ليبيا, سواء من أصدقاء عرب يعملون هناك, أو إخوة ليبيين, أو حتى عائدين من ليبيا تؤكد بأن أقل ما يمكن أن توصف به تغطية الإعلام الناطق بالعربية هو الكذب الصريح.
لن أطيل أكثر مما أطلت, ولكن لكل المشككين بكلامي أقول, الأنترنت أمامكم, وهو بحر زاخر بالغث والسمين, ابحثوا, واتعبوا قليلا من أجل ليبيا, ومن أجل هذه الأمة المنكوبة التي تستحق منا كل خير, وستصدمون من هول ما ضخ لنا من أكاذيب.
ابحثوا مثلا عن شحنة المهلوسات الهائلة التي شحنت من دبي, عودوا إلى نشرات أخبار الجزيرة أيام 18و19شباط/فبراير والتي نوقشت فيها ظاهرة رصدت في بنغازي ألا وهي ظاهرة من يلقون بأنفسهم من الطوابق العالية, والتي للأسف الشديد بررت بالرعب والخوف, وهي في الواقع من أثر المهلوسات. اقرأوا تقرير هيئة الأقمار الاصطناعية الروسية والتي أكدت بأن لا قصف جوي استهدف المدنيين في ليبيا, ابحثوا عن إحصائيات القتلى, وكيف تتفاوت تفاوتا مدهشا, تساءلوا كما تساءلت ليلى الشايب في الجزيرة عن أعلام المملكة الليبية من أين أتت ومتى أعدت ومن أعدها, وكيف وصلت لأيادي المحتجين في الداخل والخارج؟. تنازلوا قليلا, واصرفوا بعض الوقت في مشاهدة القنوات الليبية الرسمية, فلربما فيها شيء من الحقيقة. ابحثوا عما نشر من أخبار فيما يخص إدارة السفارة الأمريكية في القاهرة لمظاهرات مصر, استمعوا ولا تصدقوا إن كان هذا ما تريدون لمن تحدث عن انقلاب عسكري أبيض في كل من مصر وتونس نفذهما قائدا الأركان في البلدين, تحت غطاء الشعب. اسألوا أنفسكم كيف ولماذا وما مبرر بن علي للرحيل, رغم أنه لم يتعرض لواحد من مليون مما تعرض له مبارك من ضغط شعبي, اسألوا انفسكم ماذا كان يفعل الرجل الذي ظهر خلف عمر سليمان, ولماذا قال البينتاغون لسامي عنان وثلة الضباط الذين معه عودوا فورا إلى مصر عشية جمعة الغضب.. لا أطلب منكم أكثر من هذا لأن بين القمة والهاوية يا إخواني بضع سنتيميترات, ومن حقي أن أخاف على أمتي من أي مكروه.