بيان حلاجي من فوق الصليب
في ذكرى النكبة
أنا الحَلاّجُ
ذقتُ الصّلبَ في ما تُخرِجُ الأيامُ مِنْ مَخزونِ ذَاِكَرتي
وَلِي في سَاِحلِ الآلامِ دُكانٌ وشاحنةٌ وَبَيّارةْ
وَفِي جَيبِي مَفاتيحٌ
لِمَنزِلِنَا وَمسْجِدِنَا
وَدُكَاني وَشاحِنَتي
وَفُرنِ الخُبْزِ والحَارَةْ
أنا الحَلاّجُ
هُنْتُ على الجَبَابِرَةِ المَسَاكينِ
دَمِي بَاعُوهُ بَعدَ الصّلْبِ مَسفُوحاً
على الخُبْزِ الّذي لَمْ تَسْتَطِعْ إنْضَاجَهُ الجَارَةْ
فَقًدْ سَقَطتْ على التّنُور
وَبَاعُوا يوْمَهَا دِينِي
وَرَاحَت طُغْمَةُ الجُبَناءِ تَسْعَى الآنَ في حَرْقِي
رَمَادِي قَدْ يُثَبِّتُهُمْ
سُرَاةً في أمَاكِنِهِمْ
(وَمُقْتَدِرين )
لَقَد ضَلَّ الخلِيفَةُ حِينَ قَالَ بِأنَّني زِنْدِيقُ هَذا العَصْرِ
أهْوَى قَتْلَ أسْيِادِي
وَكُلّ النَاسِ تَعْلَمُ أنّني أسْعَى
لِكَفِّ سِيَاطِ جَلاّدِي
فَيَا بّحْرَ السّكُونِ إقْذِفْ على شَطّي وَلَوْ مَوْجَةْ
فَعِنْدَ تَلاطُمِ الأمْوَاجِ تَغْمرُ نَفْسِيَ البَهْجَةْ
أمَا آنَ الأوَانُ لِقَذْفِ مَا خَبّأتَ تَحْتَ المَاءِ مِنْ لُؤْلُؤ ؟
وَأيْنَ حِطَامُ مَرْكَبِنَا ؟
وَأيْنَ سَفِينَةُ الأجْدَاد ْ؟
أجَابَ البَحْرُ : وَاأسَفَي
فَقَد بَلِيَتْ وَلَمْ يَبْقَ سِوَى الجُؤْجُؤْ
ألا يَا بَحْرُ , أسْقِطْ كُلَّ حِيَتَانِكْ
لِتَبقَى عُصْبَةُ (الدُولَفِينِ) تَرْبِطُ مَاءَكَ الغَالِي بِشُطْآنِكْ
بِأيَّةِ تُهْمةٍ يا بَحْرُ يُصْلَبُ عَاشِقٌ أعْزَلْ ؟
أحَبَّ اللهَ ، وَالأطفَالَ، والآمَالَ، والغُرْبَالَ، والمِحْرَاثَ، والمِنْجَلْ ؟
أحَبَّ الزَيتَ والزَعتَرْ
أحَبَّ القَمْحَ والبَيْدَرْ
أحَبَّ العُشْبَ واليَنبُوعَ والنَّخْلاَتِ
وَالكَرْمَةْ
أحَبَّ البُرتُقَالَ , يَشِعُّ كَالنَّجَمَاتِ
في الظّلْمَة
أحَبَّ فَتىً تَخُطّ دماؤهُ فِكّرَه
على الجُدْرَانْ
أحَبَّ اليَاسَمِينَ , يَبِثّ فِي أجْوَائِنا عِطْرَه
مِنَ البُسْتَانْ
وَهَذا المَسْخُ أوْقَعَ نَفْسَهُ في ظُلْمَةِ الحُفْرَةْ
وإَنْ دَانَتْ لَهُ الدّنْيا
سَأحفرُ في رِمَالِ شَوَاطِئي قَبْرَه
أنا الحَلاّجُ
إنَّ كَرَامَتِي شَطبَتْ
تَخَاذُلَ طُغْمَةِ السُلْطَانْ
وَقَدْ قَامَتْ
بِفْرِضِ الحقِّ في الميزَانْ
فَيَا وَيْلَ المَسُوخِ إذَا عَلاَ مَوْجِي
وَثَارَ لَهِيبُ بُركَانِي