المدينة الكبيرة محاطة بالمياه من كل جانب
" الارض مدورة...وما حولها ماء"
وقف الرجل الكبير على شرفة قصره العالية وهو يستمع لكلمات المعلم التي تتناقلها الريح من بعيد..
" الارض مدورة .."
فيردد الطلبة خلفه بصوت واحد " وما حولها ماء "
الامتداد الواسع حول الارض /المدينة ،مغطى بالمياه التي تمتد حتى الافق.
" لاشيء غيرنا...والماء"
وقف الطالب يسأل :" ماذا اذن يقع خلف أمتداد الماء ؟"
تردد المعلم بالاجابة..اطرق برهة ثم رفع رأسه وقال : " تقع أرض الله "
عند الصباح شاهد التلاميذ صديقهم يعد قاربه عند حافة الماء ... سألوه :
- يا عبد الله ..ماذا تفعل ؟
- سأذهب ما وراء الماء
- لماذا ؟
- لأبحث عن ابي ..
- كيف ؟!
- قالت امي ان ابي ذهب عند الله والمعلم يقول ان ارض الله تقع خلف امتداد الماء، لذلك قررت الرحيل الى هناك لأجد أبي .
سنوات مرّت وعبد الله تائه في مخاضة الماء ..
الرجال قالوا تبع ابيه
امه تقول لابد ان يعود فقلبها ينبئها بأن موته لم يحن بعد..
وعبد الله الذاهب للبحث عن ابيه خلف امتداد الماء وجد الارض ليست مدورة ، وما حولها ليس ماء،وعرف بأننا لسنا وحدنا على هذه الارض وأن الله لا يسكن خلف الماء..
***
عندما وصل من جديد الى المدينة المطوقة بالمياه ..كان عمره قد اصبح عشرين عاما ،وامه إمرأة كبيرة السن،والمعلم اعمى..
الرجل الكبير صاحب القصر العالي كان قد مات وخلف ابنا ورث امواله وسلطته ،لكنه لم يستطع ان يرث حكمته فبقي مغفلاً.
قال عبد الله لأمه:
- يا اماه ..لايوجد خلف الماء سوى بشر مثلنا،ومدن تمتد بعيدا وتزدهر بالحضارة والناس.
- اصمت...لا اريد ان يغضب الرّب عليك
- لكن يا امي ،ما رايته غير ما علمني اياه المعلم ..
لم تصدق امه اي شيء مما قال ،والرجال الكبار رموه بالهرطقة ومنعوا الشباب من الاختلاط به.
قالوا كاذب
قالوا ان السنين التي قضاها غائبا،تائها على صفحة المياه قد اصابته باللوثة،اما البعض فذهب الى ابعد من ذلك..
قالوا انه ليس عبد الله الذي غادرهم صغيرا ليبحث عن ابيه خلف امتداد الماء، بل هو شيطان كان محبوسا في جوف الماء اصطاد عبد الله وحيدا فتلبس جسده ليستطيع المجيء الى الارض !!.
لم تنفع احتجاجات عبد الله على ما ينسجونه من خرافات ودعوته لمرافقته الى العالم الآخر خلف امتداد الماء..
فبقي المعلم يعلم التلاميذ بصوت عال في ساحة المدرسة :
" الارض مدورة ..وما حولها ماء"
والامهات يخبرن اطفالهن بأن خلف الماء تقع ارض الله.