اتمنى نقداً صريح لاذع ..فمن سينقدنى فسيبصرنى اذا فهو يحبنى.
وقف عمار فتى الثالثة عشر.. أمام النصب الذى أقيم لشهداء الثورة المصرية..يلحظ إلى صورهم..يحدق اليهم..يجهش بالبكاء وهو ينثر باقات الزهور البيضاء..حتى بلل قميصه المذهب..حب جارف يكنه عمار لشهداء الثورة..فلا ينفك أن يردد دائماً قصص صمود وزحف الأبطال أبان الثورة.
عمار لا يألو جهداً فى البحث عن كل مايمت بصلة إلى شهداء الثورة..بمساعدة رفاقه أنشئوا مجلة مدرسية تدعى (التاريخ يبدأ من هنا) تحوى نبذات عن الشهداء
أسمائهم..أعمارهم..احلامهم..وصولاً إلى يوم سقوطهم برصاص الغدر..عمار تغير تماماً وتبدلت معه غرفته ..قام بطلائها بألوان العلم المصرى..وقام أيضاً بإنتزاع
صور نجومه المفضلين من على حائطه أمثال..رونى كولمان.. وسيلين ديون..وانريكو اجلاسيوس..وحل مكانهم صور الشهيد.. اسلام بكير..كريم بنونة..سالى زهران
يطرب كثيراً عندما يسمع صوت عم رمضان سائق الحافلة المدرسية،عندما يتحدث بزهو عن أمجاد الشهداء..وما قدموه لمصر من تضحيات ..ويجهش بالبكاء عندما
يستمع بتأثر لعم رمضان وهو يروى اللحظات الأليمة وقت سقوط الشهداء..عمار أعتل كثيراً من كثرة البكاء وذبل كورقة خضراء اهتزت فى يوم عاصف.
بعد مرور ستة أشهر على قيام الثورة ..أرادت المدرسة تقديم احتفالية خاصة بقيام الثورة المصرية.. ودعت عدداً كبيراً من الأسماء المرموقة فى المجتمع.. وبحضور
عدد من النشطاء والتيارات السياسية..وطالبت الموهوبين من أبناء المدرسة ، تقديم فقراتهم بما يتماشى مع أهداف الثورة..بدأت أولى الفقرات بتجسيد مشهد لقناصة
يقتلون بلا رحمة أطفال خرجوا بهتفون بالحرية..وأختتمت بالنشيد الوطنى.. ولاقت هتاف وتصفيق حاد..العرض الثانى ..شجرة سوداء قاحلةعلى أغصانها أوراق الفساد فى العهد البائد..وقيام المتظاهرين باجتثاثها بفأس الثورة..وحظى ذلك العرض بالهتاف والتصفيق الحاد.. العرض الأخير والفقرة الختامية.. عمار خلف الستارة الحمراء يدخر طاقتة لتلك اللحظة الحاسمة..فوه يرى أنها رد الجميل لأرواح الشهداء..ترتفع الستارة شىء فشىء ويخرج عمار..وهو يرتدى ذى القاضى..جلس على منصة أعدت له.. وجلس الأخرون على مقاعده يمثلون الشعب بكل طوائفه.. ودخل القفص رموز النظام وهم يرسفون فى الأغلال..وبدأت المرافعة بتوجيه الإتهام
لرموز النظام بافساد الحياة السياسية..وقتل الأبرياء..ونهب أموال الشعب..والعلاقة مع الكيان الصهيونى.. وبعد إنتهاء المرافعة .. ناشد الطلاب على مقاعدهم بإسم الشعب.. القصاص.. تفاعل الجميع مع المشهد وضجت القاعة وارتفع الهتاف مطالبين بالقصاص..وهنا أطرق القاضى عمار بمطرقته ليلتزم الجميع الصمت
وقال: حكمت المحكمة حضورياً بما أراده الشعب..عاد عمار إلى منزله مرهقاً ..شعر بالدوار..القى بجسده النحيل على الفراش ..ثم غط فى نوم عميق
استيقظ عمار من ثُباته متأوهاً..شعر بألم شديد..قام بتثبيت وضعية نظارته..صعق عندما رأى نفسه فى ميدان التحرير..الملايين محتشدة هناك..الأعلام المصرية ترفرف
وتخفق فوق الميدان.. لايوجد موطىء لقدم.. كل الأطياف المصرية محتشدة .. والجموع تتدفق كالسيل المنهمر..رمق ببصره ففرح كثيراً عندما رأى مكاناً أُعد خصيصاً
لإمهات الشهداء..انطلق النشيد الوطنى الذى جلل الميدان..اشتد الهتاف..هدأت الأصوات عندما سرت ريح باردة جللت ميدان التحرير..أفصحت عن أطياف رقيقة
واشتد الهتاف ثانية : المجد للشهداء..اجهشت الجموع الغفيرة بالبكاء.. اشتد البكاء والعويل فى ميدان التحرير..امهات الشهداء انخرط بعضهم فى بكاء شديد.
حاول عمار ايجاد تخطى الحشود المتكاومة لكنه لم يفلح.. وجد نافذة فتسلل منها..التمع فى عدسة نظارته بريق أرواح الشهداء..تقدم اليهم اقترب منهم..اشاروا عليه بأن يدنو
احاطوه همسوا وسروا له بشىء ما ..ثم مضوا أشار الشهداء للامهات بنظرة حانية ..أن يتوقفوا عن البكاء..وأومأت الامهات برؤوسهن ،نعم
قال عمار: ليس لدى وقت معى رسالة من الشهداء..قفز عمار من فوق السلم فتشدخت ساقه ..نزف لكنه لم يبالى..انتشر الخبر ووتم تناقله وتداوله عبر الهاتف
والفيس بوك والتويتر..حاول عمار أن يستوقف سيارة لتقله، فلم يكترث له احد..وقف فى منتصف الطريق ليعترض سيارة تاكسى.. السائق ينهره لصنيعه..عمار يخبره أن معه رسالة من الشهداء.. السائق: أنت عمار، قال : نعم، قال السائق: اركب نحن نبحث عنك الشهداء لم يأتوا لك أنت فقط هيا بسرعة..استقل السيارةالسائق : إلى أين عمار مرتجفاً: دار القضاء.
انطلق السائق مسرعاً نظر عمار خلفه فوجد جموع غفيرة تتبعه..قال السائق مبتسماً: ابشر مصر كلها ستقوم على حراستك..القوى السياسية ناشدت عناصرها
بتأمين الحماية لعمار حتى وصوله دار القضاء..وصل عمار إلى دار القضاء..وكالات الأنباء العالمية كانت فى انتظاره..الشرطة المصرية قامت بتأمين المنطقة
لحماية عمار وهو فى طريقه إلى القاضى.. تتعثر خطى عمار وهو يمضى قدماً إلى منصة القاضى..وسلمه وثيقة مطوية واشار عليه القاضى مبتسما وقائلاً: مصر فخورة بك..فض القاضى الوثيقة وقرأها على الملاء ..ثم نظر إلى رموز النظام وهم فى القفص وقال: كونى مصرياً مسلماً أو قبطياً..فلا امتلك إلا احلامى
ولقد نثرت احلامى امامكم ..حرية ..عدالة ..تغيير..فخفف الوطء يامن تخطو على احلامى..وثق اننى قد اموت ولن تموت احلامى ..نظر القاضى بإجلال إلى عمار
والتفت إلى رموز النظام وطرق بمطرقته قائلاً: حكمت المحكمة حضورياً بما اراده الشعب..ولما سئل القاضى عن عمار .. قال مبتسماً :انه فتى مصر الأول