رُويَ أنّه نشأ ببغدادَ غلامانِ ظريفان قد برعا في الأدب.
فخرجا ليلة ًوهما ثملانِ من نبيذٍ. فأخذهما العَسَسُ فأتوا بهما إلى القاضي. فلمّا مَثـُلا بين يديهِ قالَ لـهما: ما أخرجَكما جوفَ الليلِ؟ فقالا: القدرُ والقضاءُ. فقال من أنتما؟ فقال الأولُ :ـ
أنا أبن ُالذي لا تنزلُ الدهرَ قِدْرُهُ = وإنَْ نزلتْ يوماً فسوف تعودُ
ترى الناسَ أفواجاً إلى ضوءِ نارِهِ = فمنهمْ قِيامٌ حولـَها وقـُعود
وقال الثاني :ـ
أنا أبنُ مَنْ ذلـّتْ الرقابُ لـه = ما بينَ مخزومِها وهاشِمِها
تأتيهِ طـَوْعاً إليهِ خاضِعَةً = يأخذ ُمِنْ مالـِها ومن دَمِها
فقالَ القاضي في نفسَهَ: الأولُ من أبناءِ الكرام ِ، والثاني من أبناءِ الملوكِ. فقالَ لأعوانِهِ: خلـّوا عنهما، فإنـّهُ بلغنا عن رسول اللـه صلى اللـه عليه وآله وصحبه وسلم إنّه قال: أقيلوا ذوي الـهيئاتِ عثراتِهم. فلما انصرفا أُخبرَ بأمرِهما لأنَّ الأولَ كان ابنَ طبّاخ والثاني ابنَ حجّام ، فاسترجعَهما في الغد وقال لـهما: ويحَكما! خدعْتـُماني. فقالا: ما خدعْناكَ إلاّ بما هو صِفة ُوالدينا. فلما تأمّلَ كلامَهُما وجدَهُ صِدْقا وقال: انطلقا! من لم يكنْ منكما شريفاً فلقد كان ظريفاً.