عودنا أستاذنا في المرحلة الابتدائية أن يذهب بنا كل أسبوع من فصل الربيع خلال الحصتين الأخيرتين من يوم الخميس إلى حقل مجاور للمدرسة يفصله عنها جدول ماء أو لنقل نهير ، وينبهنا قبل العبور قائلا : ــ اخلعوا أحذيتكم حتى لا تتبلل بالماء فتتلف ، وامسكوا الأحذية المخلوعة بيد وثيابكم باليد الأخرى ونعبر النهير ، وكثيرا ما كنا نقف في عرض النهر نتراشق بالماء أو نراقب انسياب الماء على سيقاننا دون أن تكترث بنا ، ونحن نقهقه والمعلم يتابعنا بابتسامته المعهودة . عند الوصول إلى الضفة الأخرى تتكرر عبارة المعلم ـــ البسوا أحذيتكم حتى لا تؤذيكم الأشواك ونجلس تحت ظل الأشجار مجموعات مجموعات : منا من يراقب ويستمتع بألوان الأزهار وكنت من المعجبين بأزهار اللوز الجميلة، وهناك بعض أقحوانات يهزها النسيم فتحرك خصورها كأنها تراقص بعضها ، ومنا من يتابع الحساسين كيف تتقافز قريبة منا ، والطيور فرحة مثلنا تغرد وتزقزق متنقلة على الأغصان ومنا من يقوم يتجهيز الشاي ، في أحد الأيام قلت لمعلمي: ـــ أستاذي .. في الليلة الفائتة كان والداي خارج البيت فتأخرت عن موعد النوم المقرر لنا ، واسترقت الوقت وفتحت جهاز التلفاز كان المذيع يكرر : الرئيس المخلوع فهل هم كذلك في فصل الربيع ويريدون العبور إلى الضفة الأخرى؟ ـــ نعم يا بني فهم يعيشون الربيع العربي ـــ وهل سيلبسون بأقدامهم الرئيس المخلوع عند العودة؟ ـــ لا يا بني ، فلن يعودوا ، ولن ينتعلوه أبدا ـــ سيبقون حفاة ؟؟؟؟ ــ نعم ، وهذا أفضل لهم من أن ينتعلوا أحذية مهترئة تؤذي أقدامهم رمزت عليا