السيدة الرائعة سفانة .. تحية عطرة
لكي أتحدث عن بداية علاقتي بالمسرح , سأوجز حكاية , كنت أنا بطلها حين كنت صبياً .. مفادها : سمعت أن هنالك فيلماً يعرض على صالة سينما النصر ببغداد , أسمه ( العصفور ) .. فبكرت بالذهاب إلى المدرسة , وادعيت بأن والدتي مريضة , ويقتضي الأمر أن أكون معها بالبيت , فحصلت على إجازة , وقفزت إلى أول باص متجه إلى بغداد التي تبعد عن مدينتي 250 كم تقريباً , ومكثت أكثر من ساعة أمام باب السينما حتى حان موعد عرض الظهيرة .. بعدها سلكت نفس الطريق عائداً إلى البيت .. فوصلت ليلاً , وفخامة الصالة , والأجواء المبهرة , تحتلني تماماً .. لكن المتعة , كانت مثلومة , لأن الممثلين كانوا غير متواجدين , وكل ما في الأمر أنها صورة معكوسة على جدار , فأيقنت بأن المسرح هو ( أبو الفنون ) كونه مباشراً , وردود الأفعال آنية , ويحتوي على كل أنواع الفنون تقريباً. لكن الذي وأد المتعة , تلك الجموع المحتشدة أمام بيت والدي , وغضب أهلي الذين عبثوا بأناقتي , وتفننوا بأساليب العقوبات , مما استوجب تغيبي عن المدرسة أياماً .. ومنذ تلك الواقعة , وأنا منبهر بالمسرح.
تطورت العلاقة بعدها , بالمتابعة , والقراءة , ومن ثم الكتابة , والإخراج .. لكن ذلك لم يمنعني من متابعة الرسم , وكتابة النصوص , والتصميم , والقراءة .. إضافة إلى مزاولة هواية الصيد.
أما عن مسرحية ( ضيعت ذاكرتي ) فهي تندرج تحت أسلوب ( الكوميديا السوداء ) , وفكرتها تراودني منذ القراءات المبكرة , كأصل الأنواع , وأصل الأنسان , وحديقة الحيوان البشرية .. ألخ . فالثيمة الأساسية هي أن الأنسان أنسان , والقرد قرد .. إلا أن الأنسان فاق القرد قرودية سلوكياً
ومسألة إخراجي للعمل , لا علاقة له بالأفضلية , بل العكس .. حيث هنالك كفاءات , ومهارات , وأفكار هائلة لدى أغلب مخرجينا المحترفين .. إلا أنني كتبت بعض المشاهد , وفق أفكار إخراجية مرسومة في مخيلتي , وقد تتعارض مع أفكار المخرج الآخر , وخشية الوقوع بمطب التدخلات الكثيرة , مما يجعل العمل هجيناً , قررت أن أقوم بإخراجه شخصياً.
واختياري عرض العمل في دولة غير العراق , تقني بحت .. حيث أن الفكرة الأخراجية , تستوجب وجود ( الرامب ) , وحركة الخشبة دائرياً .. وهذه التقنيات موجودة في مسرح الرشيد إلا أنه دمر أثناء الأحتلال , ولم يعد كسابق عهده.
فالرامب يجعلني أنفذ فكرة الولوج إلى العالم السفلي , حيث تتم فيه أغلب المشاهد .. فالصراع يبدأ , حين يدفن القرد مصادفة فوق جثة الأنسان.
أما موضوع اللوحة , فهي واحدة من ثلاثية , تكمل الواحدة الأخرى , تحكي قصة القهر الذي صار شريكاً شرعياً للإنسان , في ظل السياسات المتجبرة , والطاغوت .. وقد كتب عنها الأستاذ القاص الكبير عبدالستار ناصر , موضوعاً أسماه ( إحذروه إذا نطق ) , ونشر في جريدة العرب اللندنية.