موضوع متميز قرأته في كتاب "جامع الفتاوى الطبية والأحكام المتعلقة بها"، جمع وترتيب الدكتور عبد العزيز بن فهد بن عبد المحسن، دار القاسم، ط1 1425-2004، ص ص 279-280.
وبعد أن نقل قرار مجمع البحوث الإسلامية بمصر 1965 بمنع ذلك وتحريم سن قانون به نقل عن كتاب "حركة تحديد النسل" لأبي الأعلى المودودي، مؤسسة الرسالة، ص68- نصا أعجبني.
***
وإنك إذا نظرت في تعاليم الإسلام واضعا نصب عينيك هذه القاعدة الكلية عرفت أن نظام الإسلام للمدنية والحياة الاجتماعية قد استأصل كل تلك الدواعي والأسباب التي ترغم الإنسان على أن يعرض عن تحقيق هذا المقتضى المهم التوالد والتناسل من مقتضيات فطرته. وقد عرفت أن الإنسان، من حيث هو إنسان، لا تدعوه أي حاجة من حاجات نفسه ولا أي غريزة من غرائز فطرته إلى تحديد نسله، وإنما نظام للمدنية من طراز مخصوص هو الذي عندما يخلق ظروفا مخصوصة للجماعة الإنسانية، يجد فيه الإنسان نفسه مضطرا إلى أن يقطع دابره أو يضع الحد لنسله ابتغاء الرفاه المادي والرخاء الاقتصادي لذاته.
ولك أن تستنتج من هذا أن نظاما للمدنية إذا كان قائما على طراز مختلف عن ذلك الطراز المخصوص، ولم تتولد فيه الظروف المخصوصة التي ذكرناها - فإنه من المحال البتة أن يوجد فيه سبب أو داعية لتحريض الإنسان وترغيبه في تغيير خلق الله والتجاوز عن حدوده والانحراف عن مقتضيات قوانين الفطرة.
والإسلام بنظامه للحياة الاقتصادية قد استأصل شأفة العقلية الرأسمالية، فقد حرم الربا والميسر والقمار ونهى عن الاحتكار والاستئثار الشخصي وجمع المال
/402 280 /402
وأجرى في المجتمع طرق الزكاة والإرث. فأحكامه هذه تستأصل كثيرا من المفاسد والمنكرات التي قد حولت الحياة الاقتصادية في الغرب إلى عذاب أليم لكل شخص سوى الرأسمالي.
كما أن الإسلام بنظامه للحياة الاجتماعية قد أعطى المرأة حقوق الإرث وجعل لها حقا معلوما في ما يكسبه الرجل، وأمر أن تكون دائرة عملها مستقبلة عن دائرة عمل الرجل حسب ما تقتضيه فطرتها وفطرة الرجل، ونهى بقانونه للحجاب عن الاختلاط الحر بين الرجال والنساء، فهو هكذا قد أزال عن حياة الإنسان الاقتصادية والاجتماعية كثيرا من المفاسد والرذائل الخلقية التي بها تستعد المرأة أو تضطر إلى الإنحراف عن واجبها الفطري؛ إنجاب الذرية وتخليد النسل.
كما أن الإسلام بتعاليمه الخلقية قد دعا الإنسان بل حرضه تحريضا على أن لا يحيا في هذه الدنيا إلا حياة الشرف والفضيلة والتقوى والبساطة، وهو لذلك قد حرم الزنا والخمر وأوجد الطرق المؤدية إلى كثير من مشاغل اللهو والطرب والمجون والاستهتار التي تجعل الإنسان من المبذرين إخوان الشيطان.
وأهم من ذلك أن الإسلام قد أمر الإنسان أن لا يكون عبدا إلا لله ولا يعتقد إلا بألوهيته ولا يتوكل إلا على عونه، ولا يرى في غيره رازقا لنفسه ولكل ذي روح في السماوات والأرض. وهذا ما يحول دون أن تنشأ في الإنسان تلك العقلية التي تجعل منه حيوانا نهما لا يؤمن إلا بوسائله ولا يتوكل إلى على جهوده.
وخلاصة القول: إن قوانين الإسلام للحياة الاجتماعية والاقتصادية مع تعاليمه الخلقية وتربيته الروحانية قد محت كل سبب أو داعية من تلك الأسباب والدواعي التي لأجلها نشأت ثم تقدمت وانتشرت حركة تحديد النسل في المدنية الغربية. فالإنسان إذا كان مؤمنا بالإسلام مصدقا لتعاليمه وقوانينه من الوجهة الفكرية والعملية، فإنه من المحال أن تنشأ في نفسه رغبة في تحديد النسل أو تعرض له في حياته ظروف ترغمه على الانحراف عن طريق الفطرة المستقيمة.