جاهدت اليوم كثيرا كي أصل إلى البيت، الحر شديد،والزحام في وسط المدينة أشد، لم تكن المسافة طويلة، ولو سرتها على قدميّ ما استغرقت أكثر من دقائق.
ها أنا أصل إلى بيتي،أرتمي على أقرب كرسي من تعب صعود أدوارٍ ست، وبقايا أحزان الزحام تعتصرني.. لماذا الزحام هكذا..؟ فالكرسي أصبح خاوياً، ولا رئيس هناك؛ فقد أصبح الجميع رؤساء..!
في الإشارة كانت هناك تزجر ابنتها الصغيرة بقسوة؛ فالطفلة لفها الضيق والتبرم من طول الانتظار، راحت تحاول فتح باب السيارة، لكن أمها تسارع بغلقه وتوبيخها؛ فتجلس مرغمة على الكنبة الخلفية تحمل دميتها الجديدة، وتداعب طفلاً آخر يجلس مختنقا في سيارة أخرى..!
ترقب هاتفها النقال يدق بإلحاح، تتناوله بعصبية وغيظ، كان زوجها على الجانب الآخر.. علا صوتها أكثر وأكثر؛ يبدو أنه يوبخها على التأخير، حتى خيِّل إليّ أن كل من حولنا في السيارات الأخرى.. يسمعون نقاشها الحاد معه..ضوضاء الاحتجاجات الكثيرة تقترب..!
يعنفها وترد بحدة تجبره على المزيد، طفلتها أغلقت أذنيها بكلتا يديها؛ كي لا تسمع ما اعتادته، أغلقت الهاتف في وجهه وألقته بعنف على التابلوه، اتكأت بكوعها على عجلة القيادة وكفها يحتضن وجهها، راحت تلعنه، وتلعن العيشة، والزحام، واليوم الذي ارتبطت به فيه، وبضع دمعاتٍ تسبق غمغمتها..
عيناها المغشيتان بسيل الدموع، زاغت هنا وهناك، وكأنها تبحث لنفسها عن مخرج من الزحام، جميعنا يرقب تلك الإإشارة اللعينة، علَّها تداعبنا بالاخضرار، فقد طالت غضبتها فأغلقت الأمل في وجوهنا ساعاتٍ طوال.. أخذتني الإشارة والمعتصمين هنا القابعين أياماً طوال عن متابعتها وابنتها بعضاً من الوقت، نظرت فوجدت عربتها ساكنة ولا أحد فيها..
فتحت الإشارة معبرها واخضرت في وجوهنا، كلنا متعجلون، تلفت ؛ رأيتها تجري بين الزحام كالمجنونة، تسأل ملهوفة عن ابنتها، ودموعها تغسل وجهها القَلِق، فقد هبطت الصغيرة في غفلة منها، وابتلعها الزحام، والاعتصام الطويل..!