المشكاة:
قال ابن جبير وجمهور المفسرين : المشكاة هي الكوة في الحائط غير النافذة، وهي أجمع للضوء، والمصباح فيها أكثر إنارة منه في غيرها، وأصلها الوعاء يجعل فيه الشيء.
والمشكاة وعاء من أدم كالدلو يبرد فيها الماء؛ وهو على وزن مفعلة كالمقراة والمصفاة.
{كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة}
هي القنديل والمصباح السراج أي الفتيلة الموقدة والمشكاة الطاقة غير النافذة أي الأنبوبة في القنديل (الزجاجة كأنها) والنور فيها (كوكب دري) مضيء بكسر الدال وضمها من الدرء بمعنى الدفع لدفعها الظلام وبضمها وتشديد الياء منسوب إلى الدر اللؤلؤ.
والمصباح هو السراج، وأصله من الضوء، ومنه الصبح وما انعكس من شعاعه وسطوعه على الأجسام الصقيلة المعتمة هو نوره..
قال الله تعالى
أي مضيئا وقد وهجت النار توهجا.
والوهج: حصول الضوء والحر من النار.
وتوهج الجوهر: تلألأ .
يسمى الجسم الذي يولد الضوء سراج (مصباح).
و يسمى الجسم الذي يستمد الضوء من السراج جسما منير.
فالشمس والنجوم والمصابيح (نجوم فتية) هي المصابيح التي تشع الضوء.
والكواكب نوعين:
1 – كواكب دريّة (مضيئة )كالزهرة والمشتري كما قال الضحاك: الكوكب الدري هو الزهرة.
التي تستمد نورها من المصابيح فتتلألأ في السماء السوداء المظلمة لتزينها كما تفعل النجوم.
{تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا}([4]).
{وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا}([5]).
2 – كواكب غير دريّة مثل الأرض التي ترى من الفضاء على شكل نقطة زرقاء باهتة.
ويكون المعنى أن الزجاجة لصفاء جوهرها، وحسن منظرها، كأنها كوكب دريٌّ.
أي: كوكب مضيء متلألئ، يشبه الدرَّ في صفائه، ولون نوره.
وأهدأ النور، وأجمله هو ذو اللون الدرِّيِّ.
وذهب الجمهور إلى أن المراد بالكوكب الدري- هنا- كوكب من الكواكب المضيئة .
من مبدأ السببية (لكل سبب مسبب أدى لحدوثه) فسبب اشتعال السراج (الزيت ) كما ورد في الآية الكريمة، والسراج يوقد من زيت شجرة الزيتون المباركة،
( مباركة ):لاحتوائها على عناصر تحوي في طياتها الفوائد الجمة في كل المجالات تقريبا وخاصة الفائدة الصحية لما فيها من الحموض والأصباغ والدهون والتركيبات المعقدة.
وهي شجرة معمرة دائمة الخضرة شكلها جميل وجذاب .
(لا شرقية ولا غربية ): نفهم من هذه الكلمات الربانية أن شجرة الزيتون تنمو وتعيش في جو خاص .
وهناك آية أخرى تصرح بوجود ستة كواكب مثل الأرض ، يقول تعالى :
{ الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما }([6])
وهو ما لم يكتشف بعد ، فيكون عدد الكواكب المفهوم من نصوص القرآن هو سبعة عشر ، فإذا وجد أن الكوكب العاشر والحادي عشر مثل الأرض في خواصها مجتمعة فمعنى هذا إن العدد الكلي للكواكب هو خمسة عشر ، أما ان كانا مغايرين لها وشبيهين بالزهرة والمريخ والمشتري وبلوتو فمعنى هذا إن عدد الكواكب سبعة عشر بأعلى تقدير.
وهنا يجب التنبيه إلى أن الرقم أحد عشر الذي ذكر في رؤيا يوسف الرسول عليه السلام لم يكن حصراً لعدد الكواكب الموجودة.
ولذا فان عدد الكواكب في الكون ربما كان هائلاً وان اقتصار القرآن على التنويه بعدد قليل إنما هو متعلق باقتدار الناس المحدود على اكتشافها طوال حياتهم على الأرض.
وعندما ذكر القرآن الكواكب التزم جانب القلة ولم يصورها كثيرة العدد ، أما الآيات التي ذكرت النجوم فسياقها يوحي بالكثرة على نحو مطلق.
والقرآن صور النجم بأنه ملتهب ومحترق إذ يقول تعالى :
{ والسماء والطارق .. وما أدراك ما الطارق .. النجم الثاقب}([7])
وصور الكوكب بأنه جسم يسقط عليه الضوء فينعكس كما في قوله تعالى :
{ الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار..}([8])