أحلام تناغي الروح في وقت الظهيرة، وبسمة مهشمة تستدرج خلفها بضع كلمات كالحجارة، تلقيها على مسامعي، فأكره اليوم الذي ارتبطت بها فيه..!
الذكريات تنبش الأرض تحتي، وهي تحدِّق كأنها تراني لأول مرة، يدخل صديقي الشاب، وعيناه تنهشان ما تبقى من جمالها، هى غير الفاتنات اللاتي اعتاد عليهن وشتى أنواع الألوان تلطخ وجوههن، رغم علمي بسعيه لاغتيال براءتها، إلاّ أني لم أكن أعبأ بهما، فهناكـ آلامٌ تستوطن الروح، وعدة ثقوب مبعثرة تنخر الذاكرة، تركتها في طيّ الكتمان: خيانة لحبٍ قديم، لم تزل جراحه تنزف، وأحلام المساء تراقص ظلاله؛ لتطفو فوق وقدة الروح كطيفٍ من دخان..!
يأتي لزيارتي كل يوم مزداناً كعادته، تسارع لفتح الباب، وهي ترتدي حلّة المساء، كان كمن يبعثر عزلتنا الساكنة؛ بتلكـ الضحكات التي انطلقت من قبونا فأضحى للفرح مكان عندنا، عرفت هي طعم البسمة، ولمس الأنامل، ولغة العيون على يديه، حين يرحل آخر الليل، تشم رائحة العطن من ضعفي؛ فتزداد شعورا بقوته.. تتلوى تحت الغطاء، وتتحرق أنفاسها الغاضبة، ترتطم بالحائط، وتعود تلهب قلباً هدّه المرض؛ فشاخت مشاعره، هى مبهمة الملامح، يحوطها الفزع، ليتكور طعم الخوف نسيجاً يرقد بين ضلوعٍ تكسرت، وينام..
تأوهات تعقبها صرخات فوران جسدها، تنطلق كطلقات الرصاص، تجتاح كل الأمسيات، وتبرق بين سدائل الليل المهدلَّة على حياتنا معاً.. وجسدها الثائر، يزأر في وجهي يطلب الرحمة، وريقها تبتلعه في مرارة تعلقت بحلقها، وروحها تئن في شبقٍ ورغبة، تختبئ في ثنايا الرتوق الأخير ، بوخذةٍ من الخجل، تطل على بياض وجهها بالاحمرار..
عيناي تتوثبان في تحدٍ للألم عبر المدى، أرهف السمع الى خطواته القادمة من بعيد، وفوران جسدها الملقى بجانب جسدي منهك القوى، يعاود الأنين.. تهدأ دقات الخطوات الثقال، ينقر بابنا، تتسلل إليه وتخرج في هدوء، عيناي ترقبان الظلال، ثم تروح عبر النافذة إلى المطر المتساقط من غيومٍ سود، تسير في عناق مع جدائل الليل، لتستبيح حرمة السماوات، وتغلق طاقة الضوء القمرية، تنقب عن أنفاسٍ تنتحب، حتى يناضل الفجر هذه الظلمة الحالكة..أستشعر سخونة اللقاء، وأنفاسي الحيرى تراود غفوتي، أتيقن ارتجافتها بين يديه القويتين، حتى باكورة الصبح...!
تعود إلى جواري، بجسدٍ مرتوٍ، تتمدد، وروح الألم تتسلقني آلاماً لا تطاق، ودموع تملأني.. هدأت أنفاسها؛ فراحت كل يومٍ تستجمع روحها، لتسكب على نقاء سيرتي حبراً لا يمحى..!
***
د/ ثروت عكاشة السنوسي
مصـــــــــــــر 2011م
آخر تعديل سفانة بنت ابن الشاطئ يوم 11-26-2011 في 08:01 PM.