الحدود
قال ريتشارد باخ
إذا بحثت عن الحدود
فسوف تقف عند تلك الحدود
يحتمل مصطلح الحدود عدة معاني في اللغة العربية حيث ان كلمة حدود
في الدين هي إقامة القصاص و تطبيقه على من يستحقه.
في السياسة هي الخط الفاصل الذي يوضح الخارطة السياسية لكل بلد.
وفي المعنى العام لكلمة حدود هي الضوابط التي تفصل مابين الاشياء و تميزها وقد تكون من المحرمات
إن رسم الحدود لدولة تعطيها السيادة والقانون والحماية من التدخل الخارجي وكما لحدود الدولة من هيبة وقيمة فللإنسان أيضا حدود يجب أن يحافظ على هيبتها وقيمتها نتيجة تعامله مع الآخرين سواء في البيت أو الشارع و المدرسة و العمل والشبكة العنكبوتية النت وان لا يحاول أن يخرج عنها أو يتخطاها احتراما لإسمه ومكانته وكلمته من التشويه وللكثير من القيم والمعايير..
وبما أن الإنسان بطبعه إجتماعي ونحن في مجتمعاتنا نحافظ على الكثير من العلاقات مع الاصدقاء والجيران وذوي القربى ونقوم بمد جسور التواصل إلا ان علينا أن نعرف ما هي حدودنا وأن لا نحاول تجاوزها.
ففي البيت يجب أن يعرف جيداً كل أب، وكل أم الواجبات والمسؤوليات المنوطة بهما تجاه المنزل، والأسرة. وأن يضعا معا الحدود الفاصلة بين مسؤوليات كل منهما بالتفاهم، وألا يتدخل أي منهما في واجبات ومسؤوليات الآخر إلا لما فيه الخير وأن يكون الإحترام شعار هذه العلاقة من أجل المحافظة على هذا الكيان.
وان يكون للعلاقة بين الابناء والآباء حدود من أجل ان يبقى الاحترام قائم وتبقى النظرة الى الوالدين المثال الذي يحتذى به فعند تخطيها لا يصبح للكلام قيمة ولا للرادع معنى ولا للهيبة مكان.
قال الله سبحانه وتعالى: «وقضى ربك ألا تعبدوا إلا اياه وبالوالدين احسانا اما يبلغن عندك الكبر احدهما او كلاهما فلا تقل لهما اف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما» الاسراء اية 23.
لابد ان يدرك الإبن إن هناك معايير وخطوطاً حمراء يجب أن يراعيها في علاقته مع والده وأن يدرك إن هناك توجيهاً دينياً يقيم تلك العلاقة وأن يعي ويفهم إن حرص والديه على معرفة كل شيء عنه منبعه مصلحتة أولا ًواخراً لأن كل أب يريد أن يكون إبنه هو الأفضل وسنداً له ناجحاً في حياته سواء الدراسية او العملية.
ولكن للاطفال القابلية على إنتزاع ما يريدون بوسائلهم الخاصة ولكن على الآباء ان لا يؤدي هذا التنازل الى تنازلات لاحقة وضعف في التعامل وتنتهي الحدود الواجبة بين الطرفين ويتمرد الطفل. ويخرج عن الطريق.
بحكم إن الجامعة مكان دراسي له حرمته وهو للتعلم والتطلع الفكري والمنافسة الشريفة فعلى هذا الأساس على الشاب والشابة عدم الخروج عن حدود الزمالة وعندما يحصل إعجاب فالبيت موجود وأبوابه مفتوحة أفضل من التسرب الى خارجه والسير بالمسار الخطأ الذي يؤدي الى عواقب وخيمة من الصعب تلافيها وخصوصا بالنسبة للفتاة وسمعتها فيما إذا انتهت العلاقة بالفشل فمجتمعنا لن يرحمها من كلامه؟
ولمواقع العمل حرمتها وحدودها أيضا يجب المحافظة عليها وعدم تجاوزها سواء بين الجنس الواحد او الجنسين بين المدير وموظفيه والموظفين مع بعض كي لا يصبح العمل فوضى تضيع فيه كل المعايير والثوابت الخاصة به ويصعد السئ على اكتاف الجيد بسبب هذه العلاقة المشبوهة التي لا يكون ورائها سوى العاطفة المدفوعة بالرغبة الجنسية او الإستغلال أو الحصول على غاية أو لتحقيق هدف.
وللشارع حرمته فعلى كل منا عدم تخطي حدود الاحترام وتقاليد المجتمع في كل النواحي الملبس والتصرف والمشي وأي عمل مخالف يؤدي الى خدش مشاعر الأخرين أو إنتهاك حرياتهم.
في الشبكة العنكبوتية وعالم المنتديات والمجموعات والمواقع والشبكات علينا أن نضع حدود في كيفية التعامل مع الطرف الاخر وأن يسود هذه العلاقة الإحترام وعدم التجاوز فللعمر قيمة وللعلم مكانة وللزمالة قيود وفي المنتديات الأدبية علينا أن نسعى للإرتقاء بالأدب لمستويات عليا وأن نتعامل مع الكاتب والأديب والشاعر على أساس جمالية ورقي النص أدبياً بغض النظر عن الجنس وأن يكون النقد للنص نقداً بناءً هادفاً لا يخدش ولا يجرح وأن نتقبل الحوار والرأي الأخر ونحافظ على صدق الكلمة وجماليتها وإحترامها وعدم الأسترسال في أحاديث لا طائل من ورائها سوى الوجع ، وأن تكون الطروحات جادة بعيداً عن الهزل والتميّع وأن يؤطر الإحترام هذه العلاقة لأن التمادي في أي شيء سوف يشجع الطرف الآخر على إجتياز الخطوط الحمراء وعندها يكون الجرح كبير من الصعب ضماده فعلينا أن نحاول ان نجعل من الشبكة العنكبوتية مكان لرقي الإنتشار في المعرفة والعلم والأدب لا عكسه.
بإختصار لقد وضع الله حدود وعلاقات بين كل خلقه والحدود في العلاقات صمام أمان يرفضه البعض .
فعلينا أن نفهم هذه العلاقات فلكل واحد من المحيطين بنا مكانة تختلف بطبيعتها وحدود تعاملها,,
مع الوالدين حتى لا نقع في العقوق
مع الجنس الآخر حتى لا نقع في الحرام
مع الذات كي لا نكون فريسة للأخرين
مع الزوج من أجل ديمومة العلاقة الزوجية
مع الأبناء من أجل المحافظة على الإحترام في العلاقات العائلية
مع الأصدقاء حتى لا تفرغ العلاقة من محتواها
وأخيرا
وكما للدولة حرس خاص للحدود للمحافظة عليها من المتسللين والارهابيين والدخلاء والمهربين فيجب أن تكون ما غُرس في الانسان من قيم وأخلاق نتيجة التربية والدين هي حدوده في التعامل مع الاخرين في كل مكان يعرف كيف يستعملها ومتى يضعها ومتى يوقف تجاوزها
وكما للبلد يجب الحصول على سمة دخول وتأشيرة لها ضوابطها عند دخولها من أجنبي فعلى الانسان أيضا أن يعرف كيف يضع هذه الضوابط التي لا يدع آخرا أن يجتاز حدوده فاجتياز الحدود من الطرف الآخر يزيل القيود ويؤدي الى نتائج لا تحمد عقباها في الكثير من الأحيان .
الموازنة مهمة وضرورية وواجبة فعلينا أن نعرف أين نقف وأن لا نكسر الحدود بدعوى العادات وطبيعة المجتمع والتحرر بل علينا أن نعمل من أجل المحافظة على الجسم سليما معافى من التشويه في رحلة الحياة قبل أن تتعطل على حين غفلة وعندها لن ينفع الندم.
يهمني رأيكم وتواصلكم
تحياتي
عواطف عبداللطيف