يَنشُدُ الإنسانُ في حَداثةِ شَبابِه حَبيبًا ويَسعَى لأنْ يَنالَه على حسبِ ما تمنَّاه وتصوَّرَه ، وتلكَ مُراهقةٌ خادِعَةٌ ، وكلما كَبِرَ قلَّتْ عِنايتُه بما يَتخَيَّلُ وأضْحَى لا يَشترطُ شرْطًا قبْلُ الهَوَى بل يشترطُ الشُّروطَ حِينَ يُحِسُّ مِن أحَدٍ حُبًّا ، والعَينُ مَجْلبةٌ للهوَى ، سَواءٌ أكان حَسَنَ العاقبةِ أم سيِّئَها ؛ فمِمَّا كثرةِ النظرِ يتخَبَّطُ الناظِرُ ويَحارُ ويُصادِفُ مَن ليس يَجمَعُه به وِفاقٌ ، وصَدَقَ عُمَرُ بنُ أبي ربيعةَ إذ قالَ : إنَّ طرْفِي دلَّ الفؤادَ عليها ففؤادِي كالهائمِ المَقتولِ وإذ ذاكَ يُصيبُه وَجَعٌ مِن كلِّ تعَلُّقٍ نشِبَ فيه ، ولا مَنجَى له قريبًا ولا بعيدًا ، وذلِكَ (مَجْنونُ ليلى) لم يَبرَحْ عنه هُيامُهِ ، وفي حالِهِ للعاقِلِ عِظةٌ وتَذكارٌ ، وهو يقولُ : إذا رُمْتُ عنها سَلوةً قال شافعٌ من الحُبِّ مِيعادُ السُّلوِّ المقابرُ (شهد برمدا) بديعةُ الصوتِ وذاتُ وَجْهٍ فيه طفولةٌ ودُمُوثةٌ ، وأغنيتُها المغروزةُ في أعلى التدوينةِ مِن الأدِلةِ على ذلكَ ، وهي تكشِفُ عن جَلَدٍ وبَسالةٍ في قطعِ وِصالِ المَحبوبِ ذِي الإساءةِ.