وردت كلمة (حدود) في القرآن الكريم 14 مرة مرتبطة بلفظ الجلالة أو ضمير يعود على لفظ الجلالة أو كلمات الله المنزلة(القرآن ).وهذا يجعلنا نفكر أكثر ونسعى إلى تدبر تلك الآيات كي نقف على معناها ،وكي نفرق بين المفهوم القرآني للحدود والمفهوم التراثي الذي اعتدنا عليه .وها هي الآيات الكريمة تتحدث بالتفصيل :
1.( يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً) الطلاق 1 .
حددت الآية الكريمة الإجراءات الأولى للطلاق ،وهي أن تبقى المرأة في بيتها مدة العدة ويجب (إحصاء العدة وهي 3 قروء( حيضات) كما وردت في آية أخرى ) وأنه يجب على الزوجين الإنفصال في الفراش حتى نهاية العدة فإن أرادا أن يتراجعا بعد انتهاء العدة يستطيعان ذلك .ولا يسمح بطرد المرأة من بيتها أثناء أول طلقة إلا في حالة واحدة فقط وهي (أن تثبت عليها جريمة الزنا (فاحشة مبينة) ،كما نلاحظ أن الآية حددت (بيوتهن) ولم تقل (بيوتهم ) وأنا أفهم من منظوري المتواضع أن البيت من حق الزوجة إلا إذا ثبت عليها الزنا فتفقد هذا الحق والله تعالى أعلم .
وهنا نرى أن الحدود هي تلك الخطوط الحمراء التي علينا عدم الإقتراب منها .فكيف إذا تعديناها؟
2.( الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون 229 ، فإن طلقها فلا تحل له من بعدُ حتى تنكح زوجاً غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون 230) البقرة 229،230 .
في الآيتين أعلاه ، وردت كلمة حدود مرتبطة بلفظ الجلالة وهما تبينان لنا بالتفصيل كيفية حدوث الطلاق .والذي حسب الآية 229، يجب أن يكون بالتفاهم بين طرفي عقد الزواج(الرجل والمرأة) مثلما يفترض أن يكون الزواج قد تم سابقاً أيضاً بالتفاهم (الإيجاب والقبول) .ومن الملاحظ هنا أن الآية لم تذكر ما اصطلح عليه ب(الطلاق التعسفي) والذي نسميه باللغة الدارجة (روحي وإنتي طالق بالثلاثة) .كما سمحت الآية للمرأة أن تفتدي بجزء من مستحقاتها(تتنازل عنها) لصالح الرجل إن خافت أن لا تقيم حدود الله أي إن علمت في نفسها وصرحت للقاضي أنها ما عادت تطيق الحياة مع ذلك الرجل .
ثم فصلت الآية 230 كيفية الزواج مرة أخرى بين نفس الرجل والمرأة إذا تزوجت بعده رجلاً آخر ثم انفصلت عنه بالطلاق ورغبت أن ترجع إلى زوجها الأول ،وربطت الآية ذلك بشرط أن يظنا أنهما سيقيمان حدود الله التي حددها في عملية الزواج .
وهنا أيضاً علمنا من تفصيل الآيتين الكريمتين، أن الحدود هي (الخطوط الحمراء)التي حددها الله تعالى.
من آيات الميراث أعلاه نجد أن كلمة حدود الله أيضاً هي تلك الخطوط الحمراء التي حذرنا الله سبحانه وتعالى من الإقتراب منها .
4.( ( أُحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد تلك حدود الله فلا تقربوها كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون) البقرة 187 .
يبين الله تعالى في الآية السابقة الخطوط الحمراء(الحدود) التي يجب عدم الإقتراب منها ،وهي حدود الصيام والإفطار ومعاشرة النساء أثناء الصيام ،وهي آية مفصلة تفصيلاً تاماً.
5.( الأعراب أشد كفراً ونفاقاً وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله والله عليم حكيم) التوبة 97.
هنا ارتبطت كلمة حدود بما أنزل الله وهي كلمات الله (القرآن الكريم)،وهذا القرآن فيه حدود وقد بينت الآية أن الأعراب هم الأكثر جهلاً بتلك الحدود.
6.( التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين) التوبة 112 .
وهنا بينت الآية صفات المؤمنين ،وهم يحافظون على عدم الإقتراب من الخطوط الحمراء التي حددها الله تعالى.
وهنا نجد أن الآية قد تحدثت عن (الظهار) ،وعن كفارته ،وبينت حدود الله ،وهي الخطوط الحمراء التي يجب عدم الإقتراب منها أو تعديها.
................
دعونا نستعرض بعض المصطلحات المتداولة اليوم في ما يخص الحدود ونرى مدى تطابقها مع المعنى القرآني للحدود :
1. حدود الدولة : هي خطوط حمراء يدفع جنود الدولة دماءهم في الدفاع عنها.
2. حدود الأدب :وهي خطوط حمراء إذا تعداها المرء نُعت بأنه (قليل الأدب)
3. حدود اللياقة : تشبه حدود الأدب إلى حد ما
4. إقامة الحد بمعنى توقيع العقوبة : وهو مصطلح فقهي ،بعيد عن المفهوم القرآني للحدود .لأنه لم ترد كلمة حدود أو مشتقات الفعل الثلاثي (حدَّ) في القرآن الكريم بمعنى يرتبط بتوقيع عقوبة ،وهذا ما دعاني إلى اعتباره مصطلحاً فقهياً ،وكلنا نعلم أن الفقه هو صناعة بشرية تعني الفهم البشري الناقص للنص المقدس الثابت.
واخيراً أرجو أن أكون قد وفقت في توضيح (الحدود) حسب فهمي المتواضع والبسيط للنص القرآني.