من الواحد الى العشرة
كان صباحاً ضبابياً بارداً ويوحي بالكآبة, وكعادته سلمان يحمل حقيبته المدرسية ويخرج من باب الدار متجهاً إلى موقف الباص. أوقفه انين بكاء حزين من خلف الشجيرات و شغل الفضول بال سلمان و أتجه إلى مصدر الصوت, فوجد فتاة صغيرة تبكي وقد رمت كتبها المدرسية خارج حقيبتها..
... بكل حنان سأل سلمان الفتاة الصغيرة عن سبب بكائها.. سلمان:
لماذا تبكين ؟ ولم كل هذا الحزن ؟!
الفتاة:
زميلاتي سخرن مني بالأمس لأنني لا أتقن اللغة الفرنسية مثلهن وطلبت مني المعلمة أن أعد من واحد إلى عشرة باللغة الفرنسية, ولم أستطع فزادت سخريتهن مني.
سلمان:
ألهذا تبكين ؟!
الفتاة:
لا هنالك سبب آخر, طلبت مني المعلمة أن أحفظ الأعداد و أن اسمعها اياها اليوم, وأنا لم أستطع!
وغمرت عيانا الفتاة الصغيرة بالدموع مجدداً..
إبتسم سلمان وقرر ان يمشي الى المدرسة برفقة الفتاة الصغيرة, فحمل لها حقيبتها وقال:
لاتحزني! سأساعدكِ. سنسير إلى المدرسة معاً وسأعلمك الأعداد الفرنسية.
الفتاة:
أحقاً هل تتقن اللغة الفرنسية؟ هل ستساعدني؟
سلمان:
بالطبع سأفعل فأنا أجيد الكثير من الكلمات بالفرنسية, لكن ما هو أسمك يا صغيرة؟
الفتاة:
إسمي فرح.
غزت الإبتسامة البريئة وجه سلمان وقال:
ما أجمل أسمك يا فرح! هيا سنمضي إلى المدرسة وسنعد خطواتنا بالفرنسيةهيا رددي معي Un.
فرح:
Un.
سلمان:
deux.
فرح:
deux.
وهكذا بقي الصغيران يعدان خطواتهما حتى وصلا إلى مدرسة فرح.
سلمان:
رائع يا فرح لقد حفظتي الأرقام جيداً ستبلين حسناً امام المعلمة.
فرح:
شكراً يا سلمان! كنت خير عونٍ لي..
أخرج الفتى الصغير من جيبه ساعة جيب فضيه كان يحب الإحتفاظ بها.
سلمان:
تفضلي! إحتفظي بها.
فرح:
ماهذه؟
سلمان:
إنها ساعة جيب ولقد إحتفظت بها منذ مدة طويلة, إحتفظي بها انتِ الآن قد ألقاكِ يوماً ما مجدداً تذكرني كلما رأيتي الأرقام بالساعة.
فرح:
شكراً ياسلمان.
سلمان:
تأخر الوقت إلى اللقاء.
وفي اليوم التالي مر سلمان بالشجيرات الصغيرة وألقى نظرة من خلفها ولكنه لم يجد أحداً. ادرك حينها انه تعلق بالفتاة الصغيرة فرح وتمنى لو يستطيع رؤيتها مجدداً..
ومرت السنين و كبر سلمان وأصبح شاباً وسيم الطلعة تتهامس الفتايات بين بعضهن كلما نظرن إليه. في كل صباح يمر سلمان بموقف الباص لينظر خلف تلك الأشجار التي كانت فيما مضى شجيرات تختبئ خلفها فرح الصغيرة.
أسند سلمان يده على جذع أحداها وقال:
كم كنتِ جميلة! ببراءتكِ ودموعك خلف تلك الأشجار, أمر هنا من وقت لآخر لأتذكركِ. ترى هل تذكرني؟
جاء فجر الشتاء ضبابياً كئيباً ليعيد الذكريات إلى قلب سلمان ويتجه الى الأشجار بموقف الباصات وهنالك سمع صوتاً غريباً من خلف الأشجار. لم يستطع سلمان أن يسمع الصوت بوضوحٍ في البداية لكنه أقترب و بات الصوت واضحاً, فكان يقول:
Un, deux, trois, quatre, cinq, six, sept, huit, neuf, dix.
أقترب سلمان أكثر ونظر من خلف الأشجار فوجد شابة جميلة تنظر إلى ساعة الجيب الفضية بيدها وتكرر الأعداد الفرنسية من الواحد إلى العشرة. لم يتمالك سلمان نفسه فتكيفه تلك الأدلة, جو الصباح و الفتاة تجلس من وراء الأشجار تعد بالفرنسية وساعة جيبه الفضية التي طالما احتفظ بها وأحبها, فهتف منادياً إياها:
فرح! اهذا انتي يافرح.
نظرة الشابة الجميلة إلى الشاب الغريب الذي ينادي باسمها وسرعان ما ارتسمت ابتسامة بوجهها وهي تناديه:
سلمان, أهذا أنت ؟ أهذا حقاً أنت ؟..
سلمان:
أمر هنا من وقت لآخر لعلي ألقاكي مجدداً, وهاهو اليوم قد جاء.
كان صباح الشتاء ذلك اليوم مميزاً فأشعة شمسهِ الدافئة قشعت الضباب من الأجواء وغمر الدفء المكان و بدئت فرح بالحديث:
اصبح الصباح جميلاً بعد أن رأيتك!
سلمان:
بل صباحي كان جميلاً من أوله؛ لأنه ذكرني بك.
فرح:
أتذكر هذه الساعة.
سلمان:
كيف لا وقد اعطيتك اياها ذلك اليوم.
فرح:
لم أتخيل يوماً أن ألقاك هكذا.
سلمان:
أما أنا فكنت أتمنى أن ألقاكي, لأسير بجانبكِ مجدداً.
فرح:
كم كنت أتمنى ذلك أيضاً!
سلمان:
إذاً سأوصلك لبيتك, مارأيك؟
غمرت الحمرة وجنتا فرح وهي تجيب:
لما لا دعنا نسير معاً.
وتساقطت بضع وريقات من تلك الإشجار التي كبرت مع سلمان وفرح و هي تغلق الستار على قصة حبهما البريئة التي جمعتهما صدفةً خلف تلك الأشجار..
النهاية ..
|
اقتباس: |
|
|
|
|
|
|
|
|
كانت جبزٌ من الحب هي المحاولة الثانية وهذه محاولتي الأولى بعد توقفي لخمس سنوات ارجو التقييم |
|
|
|
|
|