طار العصفور محلّقا في الأجواء الفسيحة ، بعد ما أيقن أنّ القيود ليست لمثله،فبكت الحقيقة على أنقاض الأحلام، وأنغام الماضي تدغدغ كيانها ،فصالت وجالت بين أحضانه فاضطربت أفكارها وهاجت أحاسيسها فعانقته بحرارة وهي تتوسل بقاءه فأبى واستكبر فكانت النهاية وكان الوداع!!!!
تتالت الليالي والأيام وتبعتها الشهور والسنوات والعصفور لم يعد . أدركت حينها أنّ عصفورها الوديع قد اختار لنفسه عالما آخر.....فتساءلت¨أيعقل ان يباع الوفاء بأثمان رخيصة؟! إنّها هواجس أيقضت الآلام وقتلت البسمة ورسمت على شفتيها قبلة الوداع . فكّرت مليا ورأت أنّّه من اللؤم أن نفكر في بيع الحب!!فهو أسمى وأرفع من أن يباع في الأسواق النائية . كيف نبيع الخيط الذي يشد الروح ويحمي القلب ،إن فقدناه فقدنا الحياة .جلست خلف الظلام وكأنّها تريد أن تتوارى عن الأنظار لتخيط من الأوهام لباسا يقيها زمن الوحدة.رأتها السماء من بعيد فرثت لحالها وهمست في أذنها:من ذا الذي أذهب النوم عن طرفك؟و أسكن الوحشة في دارك؟ إنّ بعد العسر يسرا....رفعت رأسها ألى السماء مستسلمة و اليأس باد على محياها،ثم حملقت في الأرض يمينا وشمالا وراحت تردد:رحل رحل !!!!
بكت السماء لحال صديقتها وراحت تواسيها لعل الجراح تلتئم . فرفعت رأسها إلى السماء بنظرة تحمل كل معاني الشكر والإمتنان وهي تقسم أن لا بكاء بعد اليوم وعليها أن تصل إلى بر الآمان بعد أن غرقت في بحر الحسرة والألم .ومنذ ذلك اليوم عاشت الحقيقة حياة تملؤها الطمأنينة وراحة البال .وعرفت أنّ زمن الوقوف على الأطلال قد ولّى ...وبينما هي في عالمها الزمردي تترشف كؤوس الأمل إذ سمعت طرقات خفيفة على زجاج النافذة ،أسرعت لترى من الطارق ففوجئت بالعصفور عاد ليلتمس العفو .فحبست أنفاسها ونظرت إليه في اشتياق؛وقالت له في أسف:لقد تكسر القفص!!!عد إلى حيث كنت ،فأنت لم تعد من عالمي والطريق بيننا مسدود...بكى العصفور ونيران الندم تلتهم فؤاده . أما الحقيقة عادت لحياتها وأدركت أن الحياة تستمر رغم الآلام والأحزان........
ليلى بن صافي