لهزيمة والحياة في رواية طيرانٌ إلى آراس
انطوان دي سانت كوبري
ترجمة أحمد الباقري
منذ شهور ورواية ( طيران إلى آراس ) مركونة في رفّ الكتب المرشحة للقراءة ، ماأن تلامسها أناملي حتى أعيدها إلى مكانها حين يناديني كتابٌ آخر طالبا مني أن أقرأه بعيني الشّغوفتين بمرأى الورق وملتمسا لو عانقتْه كفّاي اللذان يتقنان حمل الكتاب بكل ماأوتيا من رقة البشر ؛ حتّى خجلت ُ من الرّواية وقررتُ قراءتها ...
ربما كانت صورة الطّائرة في الغلاف والتي تشير إلى الحرب العالمية الثّانية هي التي تدفعني للتّهرب من قراءتها ؛ فلنا من الحروب مايكفي لنكتب سبع روايات في كل عام.. في كل رواية ستة آلاف عام من النّحيب ...!
وربما مادفعني لتأجيل قراءتها لظنّي أنّ حياة الطّيّارين لاتنتمي لعالمنا الأرضي ولايمكن لطيّار أن يغور في أعماق البشر والشّجر والبذر والجذر . ومامن فلسفة يملكها ولا رؤية يحدثنا بها غير الانتصار أو الهزيمة ، حتى فاجأني الطّيار المحارب والرّوائي الفرنسي ( أكسوبري)؛ بأنّه ألمّ بفلسفة خاصة للجمال والحب والحياة والهزيمة ، وألمّ بفنٍ نثري بدا كقصائد نثرٍ يبعثرها رماد الحروب والهزيمة ويلمّهاالإستسلام لأكوان جديدة من الحب يرسمها هوعلى مدى مسافات شاسعة من أجنحة الرّياح ؛ فيصف إحساس الرّسام في لحظة خلق عالمه ، فيقول: ( في تلك اللحظة يصبح قماش لوحته بالنّسبه له شيئا ما أوسع من البحار).
ويغور في مكامن الجمال ؛ رغم رؤيته له من علوٍ شاهق المسافة فيقول : " المسافة تـُمنَحُ للإنسان بواسطة بيت الطّفولة ، بواسطة حقل رؤية مجهر باستر. مسافةٌ تفتح بواسطة قصيدة ماهي سوى هدايا هشّة وسحرية تلك التي تكون المدينة قادرة على توزيعها ؛ لأنّ المسافة هي أملاك الرّوح وليست أملاك العين ، وليست ثمة مسافات بدون لغة "
وأظنني كنتُ بحاجة لمن يصف لي حالة الهزيمة ، لمن يخبرني بأدق ماتخبيء زواياها المظلمة في الرّوح ، وماتتراكم من أوحالها في إناء الأمل المركون على قارعة الارتداد لوراء الوراء ؛ فكل ماقاله عن الهزيمة كنا قد فعلناه ، فليتنا قرأنا أكسوبري قبل هزيمتنا ..." لقد انهار الرّبيع ، الفصل غير صالح للإستعمال"
" الهزيمة تقسّم الرّجال ، الهزيمة تفكّ الرّباط القائم ، في فكّ الرّباط القائم ثمة خطر الموت "
" الهزيمة حالة تعب ، حالة تفكك ، وحالة ضجر ، وفوق كل شيء حالة عبث "
" الجيش الذي سقط مدحورا لم يعد جيشا ، لاأعني أنّ الرّجال في التّقهقهر يصبحون لاقيمة لهم ،لكن حقيقة السّقوط والاندحار تدمر كل الرّوابط المادية والرّوحية التي كانوا فيها متوحدين " وهذا ماحدث في العراق
ويصف سطوة الحرب على القلب :
القلب ُ شيءٌ هش ، عليه أن يستمر بالعمل زمنا طويلا ً، من الحماقة أن نعرضه للخطر بمثل هذا العمل القاسي ؛ كما لو أنّ إنسانا أحرق ماساتٍ من أجل شيّ البطاطا "
ورغم أن الهزيمة لايمكنها أن تظهر حبا مثلما قال أكسوبري لكنه يعود في سطورٍ أخرى منتقيا للأمل عبارات تتداركه بالأمان فيقول تارة :
ليس ثمة منقذ مثل ذلك الخبز الذي يتقاسمه الرّجال
وتارة :
"وجدت متعة بالإحساس بالأمن الذي ولد من حلم النّهار
وأخيرا
الحياة أعظم من اي عاصفة كلمات ، ليس الحب تفكيرا بل وجود...
هذا ماعلق في ذهني من هذه الرّواية البديعة
كوكب
التوقيع
ممن اعود ؟ وممن أشتري زمني ؟ = بحفنة من تراب الشعر ياورق؟