الآنَ أنتَ على المحكْ
أأنا أنا ؟
أم أنني أبدو سواي ؟
في شارع الموتِ المهيأ للغيابْ
شاهدتُ كيفَ الموتُ يأتي فجأة
أو كيفَ يحملني إليه
الموتُ يجلسُ جانبي
أو ربما
في المقعد الخلفي أو
في اللامكانْ
وأنا وحيدٌ في الحديثِ وفي الحوار
في لحظَةٍ
ما عُدْتُ أشعرُ أو أحسُّ بأيّ شيء
سأموتُ أو
فعلاً أنا قد متُّ أمْ
لا لستُ أعرفُ أيَّ شيء
فأنا أسيرُ بسرعة نحو الرحيلْ
وهناكَ بعثرني الهباءْ
وحدي وما أحدٌ معي
ليقول لي ما يفعلُ الأمواتُ أو
إنْ كنتُ حيّاً لم أزلْ
يا موتُ غادرْ كي أعودَ لوجه أمي من جديدْ
يا موتُ غادرْ كيْ أعودْ
نحو ال هنا واللا هنا
في اللاغياب أو العدمْ
وإلى الوجودْ
وكأنني
ما خفتُ قبل اليومِ من شيءٍ ولا
يوما عرفتُ الخوفَ أو معنىً له
فأنا رجعتُ من الرمادْ
وهنا سأصنعُ من رحيلي عودتي
هذا الهواءُ الآنَ لي
أتنفسه ...
وبه أسافرُ طائراً
وأعيدُ من وجعي حضوري من جديدْ
وأرى الحقيقةَ واضحة
وكأنني طفل صغير سوفَ يبدأ رحلةً أخرى إلى معنىً هناكْ
قالَ الطبيب :
ما زلتَ حياً لم تمتْ
وأشار لامرأة وغادر غرفتي
قالتْ بوجهٍ باسمٍ
هي حُقنةٌ لك في الذراعْ
واشربْ دواءك ثمَّ راحتْ في هدوء
وأنا أحدّق في زوايا حجرتي
فأرى أبي
وأرى وجوه الراحلينْ
وكأنني
منْ شُرفةٍ لمدينة الأمواتِ ألمحهم جميعا جالسينْ
هل يا ترى
قال الطبيبُ بأنني
قد متُّ أم لا لم أمتْ !!
وأخذتُ أنظر صوبَ وجهي في مرايا النافذة
أأنا هنا ؟
هل ذاكَ صوتي َ حينَ يبدأني الكلامُ أم الصّدى ؟
وهناكَ تختلطُ الأمورُ جميعها
وأنا فقدتُ توازني
بينَ الإشارةِ والعبارة والكلام
بين الرجوع إلى الحياةِ أو الدخول إلى المماتْ
كنْ أنتَ كنْ
شيئاً يعودُ إلى أناكْ
كنْ فكرةً
حتى يراكَ العابرون
أو يلمحوا فيها شذاكْ
لا قيمةٌ للوقتِ حولي حينَ باغتني الرحيلْ
عادَ الطبيبُ وكانت امرأةٌ معه
حاولتُ أختلسُ الحوارَ لعلّني
أرتاحُ من تلك الهواجس كلها
ضحكَ الطبيبُ لها ولي
ها أنتَ أحسنُ لا تخفْ
هيا احقنيه مُخدّرا حتى ينامْ
في حجرةٍ
في الطابقِ العلوي في المشفى الحديثْ
وحدي بها
لا شيءَ يشبهني هنا
كم زائرٍ
قد كان قبلي ها هنا
هذا السرير
لا ليسَ لي
لكنّه
هذا المساءُ بما حوى
من خوفي المسكون به
من وحدتي وهواجسي
قد باتَ لي
لا ليسَ لي
فأنا الغريبْ
وأنا مجردُ عابرٍ
كم عابر قبلي هنا
قد نامَ فوق وسادته
أو ماتَ أو قد عادَ أيضاً للوجودْ
وأنا أفكرُّ في أناي
فوضايَ لي
وأنا أفتشُّ في الفراغْ
جسدي هناك على السريرْ
وأنا سوايْ
وأنا البقيةُ منْ أنا
في حجرتي
لا شيءَ أعرفه هنا
لون الجدار ...
لون الستائر والنوافذ والمكانْ
لا شيءَ يألفني ولا تلك الوجوه
هذا الممرضُ والطبيب
وأنا الغريبْ
وأعودُ أسألُ يا أنا
هل في الوجود الآنَ نحنُ أمِ العدمْ ؟
أمْ أننا
جئنا إلى الفصلِ الأخيرْ
هل هكذا تبدو النهاية ُ قاتمة ؟
هذي الحكاية كلّها
ما عشتُ بعد فصولها
يا موتُ قفْ
دعني أعودُ إلى الحياة
فأنا أراني واقفا
وأشمُّ رائحةَ الرجوع ْ
رغم الغيابْ
سيّارتي في لحظةٍ
صارتْ حصاناً جامحاً
قفزتْ على كل الصخور
وتمردّتْ
حاولتُ كبحَ جماحها
أخطأتُ كم أخطأتُ في إقناعها
أن لا تغادر غاضبة
لكنها ...
هربتْ بعيدا للجحيمْ
وبسرعةٍ
كانتْ تطيرُ إلى السديمْ
يا موتُ قفْ
بيني وبينكَ خطوتان
فاتركْ أنايَ على الرصيفْ
دعني أرى ظلّي يعودُ من الحطامْ
دعني أميّزُ بينَ نافذةِ الخروجِ أو الدخولْ
قد غابَ صوتي لم أعدْ
في هذه اللحظاتِ أمتهنُ الصراخ
حتى أقولَ خطفتني
وتمرَّ بي
ذكرى الطفولةِ مسرعة
فأرى أبي
وأرى جميع أحبتي
وأرى جميعَ الراحلينْ
كلُّ المناظر مُفزعة
الميتونَ لهم حياةٌ تختلف ْ
لا يقرأون جريدةً
لا يأكلونَ ويشربون
لا يحملونَ ضغينة ً
شاهدتهم ..
لا يرصدونَ حياتنا
لا يشعرونَ بحزننا أو دمعنا
لا يرقبون
فصل الشتاء أو الخريف أو الربيع
ويكادُ يهربُ من يدي
عمري الذي أعددته
جسدي تناثرَ فوق عشبٍ يابسٍ
وأنا أراقبُ داخلي من خارجي
وأنا المحاصرُ بالغموض
وكأنني
في لحظةٍ أبدو سوايْ
وأقولُ لي
هل تستفيدُ قصيدتي
من لحن نايْ
ما حاجتي
للأغنيات
والموتُ يجلسُ جانبي
وأنا أفاوضه الرحيل
كي أستعيدَ ملامحي
وتباعدتْ منّي خطاي
أدركتُ أنّي لم أكنْ
إلا سوايْ