قراءة نقدية لنص("أتوكأ على قسوة الزمن ..")
للشاعرة سنا ياسر
بقلم : عباس باني المالكي
عندما نجعل من العنوان بؤرة النص ونرتكز عليها من أجل أن نمتد بدلالة الى تكوين الحافز الحواري لامتداد الذات يتحول الوجدان الساحة المعنوية التي تعطينا المعنى التحسسي لمتابعة الرؤيا التي أوحت لنا بتكوين التصور الذهني حول حجم المعاناة المرمزة والمؤشرة من خلال تجاذب اللغة وترابطها من أحاسيسنا التي تنبع من لحظات المؤشرة التي تؤثر فينا في تكوين المعاناة المنعكسة داخلنا اعلى الأشياء داخلنا ... هنا تصبح هذه الأشياء هي رحلة انعكاس مؤثرة في تصورنا الذهني البتسمولوجي لتقارب الصورة المؤثرة فينا من خلال المكان والتصور المتكون داخلنا ..عندها تصبح المعاناة هي ارتكاز التعبير الجوهري الخارج من وعينا الذي يحفز كل موجودات اللاوعي على أعطاء الصور المخفية داخلنا من خلال الترابط بين هذا اللاوعي مع الصورة المعكوسة أو المتحسسة لها الوجدان , نشعر كل هذا من خلال هذه اللغة في المقطع التالي
(لا زلت/أجالسُ مقاعدي المهجورة /أتوارى خلف /تراكم الغبار /ازدحامات سوداء ../تغفو في رأسي /منذ زمن/ ومن أجلي /أنتظر بقايا المستحيل /أراقب انطفاءهم ، ويتعذر علي النسيان/لوحة عتيقة تواجه حتفي/ تاريخ غائب أناديه /أتنشق رائحة الياسمين /أنثر الماء برائحة البحث)
نلاحظ هنا تمحور الوجدان باستمرار التذكر نتيجة انعكاس ما هو خارجي على الذات وهذا ما يجعل المعاناة مستمرة داخل الوجدان لأن كل شيء حولنا يجعلنا تتحسس هذا الانعكاس مع الصورة الذهنية المتركبة نتيجة فقدان ما هو يرمز الى الحياة حولها لكن تشعر بفقدانه من خلال التطابق التحسسي مع الأشياء الموحية على هذا الفقدان ذلك الترابط بينها وبين ما كان يعطيها الحياة , ولكي لا تبقى هذه الأشياء تعكس عمق الفقدان والخسارة بسبب رحيل أحبابها تحاول أن تستعيد ذاتها من كل هذا الانغماس الكلي مع الوجع المسبب لها , فتحاول المستحيل من أجل مسح أو أبعاد اذات عن ذكرياتهم , أي هنا يحضر المحي أو الأبعاد لكي تعاد الروح الى حياتها التي فقدتها بسبب غيابهم , ولكنها لا تستطيع لأنهم أصبحوا لوحة عتيقة تؤدي بها الى الحتف , لأنهم تاريخها الذات عن ذاتها فبهم تستنشق رائحة الياسمين أي أن السبب معاناتها ليس بسببهم بل بسبب الغيابهم عنها لأنهم هم رمز الحياة لديها فبعدهم لا تجد إلا حتفها .. والشاعرة سنا أستطاع من خلال تمركز الذات وسط ذكريات الموجودات حولها أن تبني نصها الهرمي لقيمة من نحبهم في حياتنا وما يمثل غيابهم الموت في كل الأشياء حولها ...
(أبكي كثيرا عليَّ/يهترئ صدى صوتي بصراخ الأيام/ أجهل سر الأنين، الواقف في صدري / أنحدر بذهول نحو الموت / برودة العزلة ..قساوة الظلم /أشياؤهم الأخرى مجتمعة لدي /أحتضن تربة تواريني / قلبي الهش يشيح عنّي/أخاف علي التلاشي /أتحسس طيفي /أحاول الإمساك .. بقوس الله /أمضي وآخر اللحظات /أراقب الترقب /يباغتني القدر/لا أمنح لي وقتا لأتمام رحلتي
/أسألني : لم الغياب ؟)
فالشاعرة سنا استطاعت أن تبني النص على حوار الذات ما بين الحضور الغياب ومدى انعكاس الأشياء التي ترمز الى الغياب من معاناة , فكل ما تحاول أن تبعد تأثير هذه الأشياء الموحية بالغياب تبقى معلقها بها لأنها تعيش حولها , وقد استطاعت الشاعرة أن تعطي فعل الغياب في الذات الى حد تبكي ذاتها بسبب غيابهم , حتى تتدرج بهذه المعاناة الى حد الموت والتشظى , فكل أشيائهم توحي لها بغيابهم الى حد تسأل الذات لماذا هذا الغياب الذي يشعرها حتى بالموت , لكنها تحاول الخروج من كل هذه المعاناة والتمسك بقوس الله والأيمان بالحقيقة غيابهم لكي تجنب ذاتها الانهيار والتبعثر والتلاشي أي أنها تحاول الثبات الوقوف بوجه كل هذا التلاشي والضياع , أي أنها تحاول أن تنتقل الى غيابهم كأنها الحقيقة التي لا بد أن تحدث ,أي كأنها القدر الموجب حدوثه , فحتى هذا القدر يسألها أي أنها تحاول أن تبعد وجدانها من التصدع الداخلي لكي لا تهزم بسبب حودث غيابهم , لأن القدر كنا هنا المساعد على أحداث هذا الغياب فهو لم يعطها القدرة على الرحيل بأتجاهم ...
(يُغلق فمي بشدة /هو باب للنور /أرتعش وأناملي تحاول النهوض /أعانقني /أتسرب بين مساماتي /أملأ التراب ..وأنطفئ /أمتطي السراب /أحسب كم تبقى للغياب /أتواطأ ضدي/آخذ زمني الموحش ..وأرحل /أتركني ورائحة الياسمين /يتبعني ظلي زاحفا /يهمس : تعبت /أجره ووحشتي /أعود للغبار /أراقب تربتي ..أهدهد رعشتي /أتنشق شعاع الشمس الأخير /أتوكأ.. على قسوة الزمن /وهكذا ..انتهي دون ضجيج)
فهي لم تعد تقدر على النهوض بذاتها من هذا الغياب بل تشعر أنها تنهار بسبب عمق ما يؤثر فيها غيابهم لأنهم كانوا يمثلون لهم الحياة التي تتمنى وتعيش يستمر هذا الحوار النازف ما بين الذات والذكريات المخزونة داخل الوعي الذهني التراجعي اتجاه الزمن الذي مر بها والذي يمثل الحضور الكامل لذاتها , فهي تحاول الابتعاد والخروج من هذه الأزمة الوجدانيه لكنها تشعر بعجزها وعدم قدرتها لأن كل الأشياء حولها تحوي لها بمعنى حضورهم , ونشعر أن الشاعرة تعيش في حالة حصار نفسي تأزمي لا تبعد عنه قليلا بل تعيش بكل إرهاصاته الوجدانية المتكونة لنتيجة تكوين حضور الغياب في ذاتها الى حد ملأ كل ساحات التصور الذهني اللساني السيميائي , وعدم قدرتها على التجاوز هذا بحيث وصلت الى قمة التعب نتيجة هذا الحوار , لكننا نشعر أن تحاول وتحاول الخروج من القسوة الذاتيه اتجاه من غابوا عنها لأنها وجدت الأمل الأخير والقناعة بعدم الانهزام بل تصر على المقاومة وخلق الأمل داخلها لتعيد الى الحياة بعيدا عن هذه المؤثرات المكانه والموحي الى الذات فها هي تستنشق شعاع الشمس , ولكنها لا تستطيع تجاوز هذه الأزمة الى أن تنتهي دون ضجيج ... نص أعتمد الحوار الداخلي مع الشعور الحسي نحو الخارج , نص أستطاع أن يعطي قيمة الحياة من خلال من نحبهم ومدى تأثير غيابهم في الذات والأشياء حولها .. لكنه بقدر البنيان العمودي لفكرة النص والتعمق بها الى داخل الذات , والشيء المحسوب للنص صدق التفاعل مع اللغة والانسياب بها الى حد التمركز على العنوان كإشارة الى حجم المعاناة الداخلية أي بقت البؤرة مرتبطة بعنوان النص الى حد التلاشي بتكوين الفكرة ضمن العنوان ... نص حزين جدا وموجع ... لكن لا بد أن يكون هناك أمل مهما كانت خسارتنا اتجاه من نحب . والذي جذبني في النص قدرة الشاعرة على التمركز حول فكرة واحدة وعم التشظي والابتعاد عنها برغم وجع اللغة المعبرة عن هذه الهموم الذاتيه العميقة ...مع هذا يجب أن يكون أمل لأن الحياة تتسع بأتساع ما نسعى إليه وحتى وسط تكالب الوجع فينا ... انتظروني الى نصوص أخرى من نصوص نبع العواطف ...