قصة حقيقية لصديقة تدعى دعد ، أودعتها نبتة النردين قبل أن يركلني سراق الوطن خارج حدوده ، تلقفتها يد الغد وهي خارجة من منزلهم متوجه إلى عملها ، كل الأسماء حقيقية ..
تصدعات على اعتاب الروح
تاهت بعض اللحظات مني ،والتفتُ إلى صوتٍ منادٍ لي ،وددتُ فرز ملامحه،وأين تراءى لي ذاك الوجه المكفهر؟ ..توقفت برهة ،لكن وددت في نفسي ، عدم التوقف والالتفات لجهة الصوت ، لمروري في لحظات التفكير فيه ، بواعز من الخوف ، لفظني عبر إرهاصات وزوازة .
لبستُ حلة الشجاعة ، وصممت أن اتجاوز إرهاصات قريني، واكلم المنادي ..
تقربتُ وشبحهُ المتجه صوبي ،وكانت سمرة الليل قد أضفت على الغروب جواً رومانسياً لحبيبين ، ومظلماً وقاسياً لمن تحبهُ ، حين يراكَ وذاك الوجه المكفهر .
نفضتُ فكري وجسدي لأتهيأ لما يحدث أو ما سوف يحدث ..
- مستغرباً مني ، مابكِ ؟
- هذه ارسلتها لك دجلة . .. (كان ذلك دون سلام أو كلام).. تجاوزني لبعض خطوات .. وعاد ملتفتاً ; صوته أكاد لا أميزهُ عن صوت قريني.
- وقال : لحظة نسيت ، لك الأخرى.
- وهذه مِن مَنْ؟
- هي من فرات ..
- ذهلت لأمره ،كيف عرفني ،وأنا منهم في أقاصي البحور .. ؟ وكيف عرف التوأمين ؟،وكيف وصل إليهما ؟.. أو حتى كيف إلتقوا به ؟ .. سكتُ على غيظٍ، تألبني الوَجمُ، كحجارة مَرْكومَة على قلبي .. اسكنتُ رأسي بين كفيّ ،مطرقةً بكلامه الذي كان وقعهُ عليَّ كسكين ٍ مُوثّقة النصاب ..
* * *
نهضتُ وكأن العُطاش قد أصابني ، مازالتْ الصور تَتثوَّل عليّ وتزيد من سقمي، وشكي بأنهما أبناؤه وليس اخوته، وهذا سائقه ، تذكرت ملامحه .
فتحت ما اهدتني إياه دجلة ( توأم فرات، أصغر ما في القوم كما كان يقول عنهما ) ، لا أقول أني أتوقع ماارسلته لي ،بل متصورة كنهه ، وجاء مطابقا لرؤيتي ولم أتطير كما كان يقول لي ،حين كنت أشك بأنهما اخوته .. صورة تجمعها فيمن أحب وهو يحتضنها في أبوة شفيفة ..وممسكاً بها كهدهد ٍ كُسرَ جناحه .. وما اهداني إياه فرات، لم يك أقل قسوة منها .. نصب صغير لوجهٍ ضم وجه امرأة ونصفه الآخر لوجهه هو .
لملمت أطراف فشلي ،معتلية كبريائي ومتصنعة أنفتي ،لأمحو بعضاً من جدب روحي ، ولم احتسب منه الكذب في تفاصيل حياته ، أو المزيد في طلب الآفاق ،لا أرغب في هدم بيته أو مشاركتها ظليله .
كنت بسيطة في مرادي أن يظللني قلبه ويكون لي غطاء يحميني من لسعات برد هجس القلوب الدنيئة ،وحين غاب عني ، تكالبت علي الدنيا في أكمة من أفعالها ..
* * *
اتصلت به لأستعلم منه عن سر غيابه ،وأشكرهُ على رسائلهِ المباشرة وغير المباشرة،حين كان غيداقاً في مراغِ فكره ، ونسيَ تألَبَّهُ لروحي ودسها في نقيعٍ من سموم الأفكار ..
طال انتظاري لرده ، لم أحظ إلا بأن الرقم قد رفع من الخدمة ..
لم يك في مقدوري فعل شيء ،سوى الانتظار الموبق ، وكسرني بتكسر حروفي على باب ليله، طال حضور غيابه أشهر ، بعدها أرفدني في بسملة من أنفاسه وفيها تناسيت أمر اعتلالي ،وما أصابتني الأهوال من جبال الكدر، قال : ( فيّ بكاء) ....
واستكبرتْ نفسي أن تضعف وتنسى ما ألمَ بها من قيح ..
- أجبته: استعن بالله .
اعتبر ردي انثيالاً عليه .. وخزتْ قلبي نظراته المريبة وجاءت كلماته كسكينٍ أعمى ينحرني به بروية ليكمل قطع كل أوردة الحياة واسكات نبضي ..
ارتعدت فرائصي هلعاً ،ونال الارتجاف من قسمات وجهي كمداً، لم يكف عن تأنيبي ،فاسْبَلَ دمعي، زمناً كان لجبروته سحر في اسكاته وإطفاء غضبه .
مأزومةً في ارتكازي على أصابع قدميَّ ، ساعدتني على رسم حركة اهتزازية سريعة وقاسية تنم عن غضبي الشديد الشَزّ ، أشحت ناظري بعيداً عنه ..
في قرارة نفسي : كنت أهفو ليأخذني بين ذراعيه لأبكي صدره ، ولاخترقه كي تتسلل أنامله وجنتيّ ،وينأى أدمعي ،أو أن يزيل كما غابراً خصلات شعري المخضبة في مائي المالح ، وأعاتبه عما أخفاه عني ، وأنكر عليه أفعاله ، وسجني الدائم في انتظارات الوقت المناسب .
لكنه بقي يكابر ويكابر ...
وأكمل ما بدأه من عتب ،وتجاوزي في عدم التفكير في جراحاته وكنت أُراشقه في يسر الكلام .. رغم الألم كي لاأخسره .
راعني صمته الرهيب، أمسى قلبي محموماً في الترقب .
حاولت أن أثير حفيظته ، في أن صديقه طلبني للزواج ، لعله يزمجرُ ويرعد كما كان يفعل ، لأعرف هل مازلت أسكن قلبه .. هطلني في قناطيرَ من الصمت .
بادرته بصمتي المحكي للألم والندم...
وطفت على ملامحي إمارات التعب والارهاق،تقابلت نظراتنا ..زاغت أحداقي عن قسوتهِ .
أعاتبهُ أسأله عن حبه لي ،وعن آهات عشقهِ
لم يسعفني بشيء
تحجرت لآلئي في المدامع تأبى النزول خوفاً مني .
بحثت عني في عينيه ، رسم أحداقهُ الهرب والتنكر لي .