اجتاحه تيار بارد كأنه مسمار انغرس في كتلة ما عبر جسده ، ظن أنها تشكوه الى القدر ، ظن أنها ماتزال تطالبه بالعودة .. فأعلن استياءه مجددا كأنه يقول لماذا تصرين على التشبث في ماض دفنت أيامه في صومعة الذاكرة المثقوبة ؟.. تحيلها أيام خلت الى كائن قاب قوسين أو أدنى من الرحيل .. ما عساها تخبره وهو لم يعد يفهم ما تقول .. تلتفت صوب تلك النافذة التي شهدت كثيرا من جنونهما تتساءل ما بها يحوطها الظلام وكأن الحياة سحبت أنفاسها منها .. تتذكر كيف كان يبحث عنها طوال الوقت كيف كان يخبر البحر عن مدى تعلقه بها .. كيف وكيف وكيف ..!!
هاهو الخريف يسحب أغطية الشتاء يدثر بها حكايا كانت وما تزال رفقة حميمة لشهرزاد .. ولكن أين عساها أفلتت ذلك العقال الذي انتوت أن تدخل عبر بوابته مصاريع تاريخ كان وهوى من عليائه حين اختلط حابل الاحداث بنابله .. لماذا دخلت عبر بوابة الريح بعد انتظار حمل بين جنباته أحلاما كانت وما تزال تدق أجراس عودة مستباحة ؟ النوافذ كلها مغلقة والنور يختبئ في حكايا شهرزاد باحثا عن انطلاقة بوح متكسر ..
يرسل اليها عبر نسائم أصابها الفتور تحياته وسلامه ورغبته في معرفة أخبارها لكنها حين ترسل مع حماماتها الزاجلة حكاية شوق يقض مضجعها يختفي ويهاب لحظة انكشاف قد تحدث فتجرح الماضي بسكين الغياب وتغدر وجه الحاضر بلا مبالاة عميقة فتقتل مستقبلا كان يوما يعني اللقاء ..! ها هو ذا يكشف عن وجه أخر وجه بلا عيون وفم مغلق وابتسامة جف رحيقها .. الرغبة في النسيان ساحقة لكنه يبدو بعيدا لانها تدرك تماما ان الحظ حين قامر بوجودها في هذه الحياة لم يدرك انها قد تموت في حياة بائسة لا هواء يدخلها ولا أنفاس تحركها ..
تدرك الان أن ذاكرتها المثقوبة لم تعد تستطيع الاعتراف بوجوده ، تبحث في جيوبها عن قرص اسبرين لعله يكف ذلك الوجع الذي يسيطر على رأسها بجنون .. وجع ليس يحتمله سواها .. تدرك أن الوقت أزف للتوقف عن جلد الذات ..تسمح لبعض دمعات أن تجرح خدها وهي تبث الحروف بعض حكاياها ..صوت يشق عنان السماء هاهو أوان الغياب قد حان .تلتحف عباءة الزمن وتبدأ رحلة عكس اتجاه السير لعل وعسى تخترق سيطرات الشارع والجدران الاسمنتية التي تحيط بالمدينة مدينة يظل عبق تاريخها ذكرى تستحضرها كلما ناوأتها الايام .. لعل وعسى يستطيع النسيان أن يدخل ممراتها فينقذها من وجع الفراق ..تلتحف عباءة الزمن فالبرد قارس والوحدة مريعة وأوان القطاف قد فات ..!!