.. تتميز الابوذية العراقية ، بصفاء خاص يتوازن مع اثرائها العميق للمعنى الذي تحمله ابياتها .. وهو معنى يتجسد من خلال عمق تجربتها من المعاناة (( تتألف كلمة الابوذية من مقطعين – ابو – أي صاحب .. وذية .. وتعني الاذية من الاذى أي .. الالم .)).!
.. والجانب المهم الذي يسرنا في سماع (الابوذية) .. هي تلك الصورة الشعرية الفنية الصادقة والتي تتناغم مع (الوقفة) .. الشطر الاخير منها :
اذا.. .( فالابوذية ) .. تقف في مقدمة الشعر الشعبي العراقي ، وبجدارة قوية ،
ومن خلال ماتحتوي من معان عميقة لها ما يميز كيانها المستقل ،والذي
يتجلى بالاحاسيس المتخمة بالصدق والعفوية ،، وهذه الصفاة.. قد .. اقول
.(. قد) .. لا تتوفر في ضروب الشعر الشعبي العراقي الاخرى .. كالدارمي وشعر الومضة .. والزهيري الخ :
ثوب الحزن بفركاك لبــــــسنه
وثكيل الطبع طبعة لولبــــــسنه
ولك خدك ما وصلنا له ولابسنة
تزعل ليش يمدلل عليــــــــــــــه
****
تضل صاحب فضل وشكر فضلاك
وخلكي ما فضه الغيرك وفضلاك
اميزك على خدك كله وفـضلاك
وبسمك احترز صبح ومسيـــه
نصحت الكلب من حبك ولا فاد
وجويته بنار صدكني ولا فاد
هوايه علاج جابولي ولا فاد
دواي انت يهل مبعد عليه
****
.. ولما كانت (الابوذية) تنبثق من خلال تجربة حسية ذاتية ، فانها تعبر في نفس الوقت عن تفاصيل تعكس كثيرا من الدلائل ذات الجانب التحليلي لها
.. واذا ما اقتنعنا ، بانها ولدت من خلال مخاض عسير .. فان هذا المخاض كثيرا ما يؤشر حالة الواقع الاجتماعي المتداخل والذي تولد عبر مراحل متقدمة من التأريخ الطويل وهو يحمل الكثير من تخرصاته وتقاطعاته التي ادت بالانسان الجنوبي ( شاعر الابوذية) الى ان يعبر بروح صافية متدفقة ومن خلال حسه الفطري عن ملامح الالم باروع تجسيد ، وتصوير :
وحك الي محه العزة ومحه الات
شفافك عسل من ربك محلات
الك على الشارع بكلبي محلات
محل حب ومحل شاعريه
**
ان شاعر الابوذية .. هو في حقيقته صورة منعكسة ومعبرة عن ذاته وذات الواقع الذي يعيش فيه في ات واحد .. انه صورة غير مزوقة بالشوائب التي تصنعها المغالات ، بل وانما هي انثيال مجرد ، وصاف لمحصلات جاءت نتيجة لصراخ الشاعر ازاء ما يقرأه في مشهد حسه الصاخب ، والمعبر عن عذاباته :
اني واحد ، ولي عدوان تسعة
وعلى موتي الناس تسعة
خلص عمري وبقت ايام تسعة
وخلص اسبوع ظل يومين اليه
**
اريد الطم واسوي اللطم بلوان
عليه ويصب دمع العين بلوان
انه اللي طبكن عليه بلوان
شيبي والهوى محرب عليه
*
.. وقد تخرج الابوذية بالفطرة ، من جعبة احاسيس الشاعر ، فالشاعر قد يجهل قوانين ضبط مقايسها من الناحية الفنية التركيبية للوزن العروضي ، ولكن عندما يلقي بها امام الاخر .. تخرج وهي مصانة وتحتفل باتقانها دون نقص فيها .. وهذا ما يحصل في كثير من المناظرات بين شعراء الابوذية:
رسم بيه زماني اشلون خطة
تعلم من ضيم كلبي الوان خطة
ادك على الفرح مشغول خطة
يجاوبني الحزن ويرد عليه
**
.. ونستطيع ان نقول ايضا ان شاعر الابوذية ، قد يكون وفي اكثر الاحيان ارتجاليا في الالقاء .. وانا اعرف بعض الشعراء وهم لا يقرأون ولا يكتبون .. ولككنا نراهم مبدعون بفطرة التكوين الشعري.
لقد وثقت الابوذية .. مسارات تأريخية باكملها .. ومن خلال التبرير الصادق لرسم المشاهد .. انها مشاهد الواقع المتخم بالمتناقض وغبر المتناقض .. السلبي والايجابي .. واننا عندما نقرأ الابوذية .. فاننا نقرأ لربما تأريخا لا محال :
نعيم انت بجمالك وانت حر بي
افخخ كلمن يحبك وانتحر بي
لان مخصوص حبك بس اليه