أخيرا هاجر الوطن...آه...لمن سنعود بعد الآن...؟راح بعيدا بعد أن هجرته العصافيــــــــــر والفراشات والكثير من الناس،نحن من شهد رحيله الرهيب،نحن المغتربون الذين تركنــــــاه وحيدا وغريبا ومعاق،نحن من أماكننا في المنفى رأيناه محلقا في السماء دون أن يمنحه أحدا (فيزا) أو جواز سفر أو حتى دون أن يدفع ضريبة السفر كما فعلنا،سافر مكرها أو ربما هو من أراد ذلك،نحن لم نتركه بل أرغمنا ذلك العالم الساذج والمهووس،هو منذ عشـــــــرات السنين معتكف مع البارود والمحركات (التوربينية) التي لا نعرف كيف وصلت إليه،ربما رأى أعداء الوطن وسيلة فيه تساعدهم على نسف هذه الأرض،كنا نعترض ولكن كثيرا ما كان قد وعدنا باختراعات مثيرة،جنائن فراشات معلقة،مسابح كريستال،فنادق فضائية،وكثيرا من الترف الذي كان يجهر به لسانه ويفعل عقله العكس،كان يهدئنا أو يمهد لكنسنا،نحـــــن المترصدون لما يفعل أو ما سوف يفعل،أخيرا تعبنا وقررنا الهجرة وضل الوطن وحيـــــدا معه.كان الإعلان مدو في الإذاعات والصحف،أبواق تزمجر في السماء،إعلان عن إتمـــام صنع صاروخ كبير جدا،اكبر صاروخ في الكون،أو صاروخ كوني عبئت فيه جميع الوعود السابقة،جنائن الفراشات المعلقة،ومسابح الكريستال،وحتى الفنادق الفضائية،يحملهـــــــــــــا الصاروخ ويحلق بها بعيدا ليزرع في مدارات الفضاء أحلامنا.
ـ في كل مدار سيكون هناك صرحا للترف والرفاهية التي يفتقر إليها هذا الوطن المسكين.
هكذا كان يعلن لمحطات التلفزة والإذاعات،بينما كانت المئات بل آلاف الجماهير تترقـــب عملية الإطلاق،مثبتات الصاروخ معلقة بإحكام،تشده بقوة إلى الأرض،العد التنازلي ابتدأ والمثبتات ما زالت علقة بإصرار،المحركات تزأر والاهتزازات أرعبت الجميع،الصاروخ ينازع والأرض متشبثة به،ربما كان الوطن متشبثا بالخلاص،وتم الخــــــــــلاص،الأرض تصدعت وانتزع الصاروخ الوطن من خارطة العالم،كنا نرقبه من أماكننا في الغربة وهــو يحمل الخارطة التي عرفناها وحفظنا جبالها وحدودها منذ أن عرفنا اسم الوطن و...الحدود، كانت الخارطة متمسكة بالصاروخ فيما بات هو يزفر ويحطم كل ما تحته،زفر كل قواه وهو ينتزع الوطن،أشياء كثيرة كنا نراها تتساقط،الطيور،البشر،الحيوانات،الأثاث،طار الوطن وتساقطت حبيباتنا الكثيرات،كنا نراهن يسقطن الواحدة تلو الأخرى في فضاء مغبـــــــــــر ومجهول،حتى النفط اندلق بعد أن تحرر من قبضة الصخور،طار الوطن،حلق عاليــــــــــا وشيعناه بنظراتنا العاجزة،غادر بعيدا...بعيدا جدا،في فضاء أو مدار نجهله،حيث إن جميــع الإحداثيات التي زود بها الصاروخ كانت لدى ذلك العالم الذي وجد ميتا في إحدى الشقـــوق الأرضية بالقرب من إحدى النقاط الحدودية،مات ودفنت معه جميع الإحداثيات أو اتجاهات الصاروخ المحلق بالوطن،وطننا الحبيب،آه...أين سنراه بعد الآن،ولمن سنعــــــــــود إذا ما عصرتنا ظلمات الغربة واللاقرار...؟