حيث أن الشعر العربي قبل الإسلام نقل إلينا من عدة مصادر عن طريق الرواة لأن الشعرغالباً لم يدون كتابة في ذلك العصر وأنما أخذ حفظاً من أفواه الرواة، لذلك يرى البعض أن ما نقل إلينا قد يكون شابه بعض التحريف إما في الأسلوب الشعري أو القافية أو الكلمة الشعرية أوالحادثة التي قيلت فيها القصيدة أو حتى اسم الشاعر. وهنا نستعرض بعض أقوال كبار الباحثين في الشعر في عصور مختلفة كما ورد في بعض كتب الأدب: - أبو سعيد عبدالملك بن قُريب الأصمعي كان يشك في ما رواه أهل المدينة من الشعر وخاصة في كثير من شعر امرئ القيس والعجلي والمهلهل بن ربيعة. - أبوعمرو بن العلاء لم يقبل قصيدة ذي الأصبع العدواني ومن أبياتها :
عذير الحي من عدوان كانوا حية الأرضي
بغى بعــضـهم بعضا فلم يبقوا على بعض
فقد صاروا على بعـض رفع القول والخفض
ومنهم من كانواالسادات والمـوفـون بالقرض
ومنهم من يجيز الـناس بالسنة والـفـرض
- أبو عمرو الشيباني نفى مطلع إحدى قصائد عنترة بن شداد إلا بعد أن تأكد من بعض الرواة الثقات. - أبوعبيدة لم يعترف بما رواه له بعض الرواة من الشعر. - ابن هشام في سيرته يؤكد أن كثيراً من الشعر في سيرة ابن إسحاق مشكوك فيه. - محمد بن سلام الجمحي يقول إن كثيراً من الشعريشوبه بعض التحريف واعتمد على: - " العصبية القبلية " أن بعض القبائل وضعت شعراً ونسبته إلى بعض شعرائها لإعطاء أهمية قبيلتها بين القبائل. ولما راجعت العرب الشعراء وذكر أيامها ومآثرها استـقّل بعض العشائر شعر شعرائهم وما ذهب الى ذكر وقائعهم، وكان قوم قلّت وقائعهم وأشعارهم وأرادوا أن يلحقوا بمن له الوقائع والأشعار فقالوا على ألسن شعراء غيرهم ثم كانت الروا ة بعدُ فزادوا في الأشعار.
بعض رواة الشعر ليسوا أمناء في نقل ما يرونه من الشعر وغالباً ما يحرّف عن طريق النسيان.
وأبوالفرج الأصفهاني في كتابه الأغاني رفض روايات ابن الكلبي لدريد بن الصمة.
ويقول الزمخشري في كتابه ربيع الأبرار ونصوص الأخبار:
" لم يُر قط أعلم بالشعر والشعراء من خلف الأحمر. وكان يعمل الشعر على ألسنة الفحول من القدماء ولم يميز من مقولهم "
وعن ابن عبد ربه في كتابه العقد الفريد: كان خلف الأحمر مع روايته وحفظه يقول الشعر فيحسن وينحله الشعراء. ويقال إن الشعر المنسوب إلى ابن أخت تأبط شراً هو لخلف الأحمر وهو:
إن بالشعب الذي دون سلع
لقتــيلاً دمه ما يُـطلُّ
قذف العبء عليا وولى
أنا با لعبء لــه مستقل
ووراء الثأر مني ابن أخت
مصعٌ عقدته ما تحل
وكذلك حمّاد الراوية يخلط الشعر القديم بأبيات من عنده. وقيل عنه إنه قال مامن شاعر إلا زدت في شعره أبياتاً فجازت عليه إلا أعشى، أعشى بكر فإني لم أزد في شعره قط. غير بيت
فأفسدت عليه الشعر، قيل له ما البيت الذي أدخلته في شعر الأعشى فقال:
وأنكرتني وما كان الذي نًكرِت
من الحوادث إلى الشيب والصلعا
لكن كل ما أوردناه لايعني أن الشعرالذي قيل في عصر ما قبل الإسلام موضوع في العصر الأموي كما نُسب إلى بعض الرواة مثل حمّاد الراوية وخلف الأحمر اللذان قيل عنهما أنهما ألّفا الشعر ونسبوه الى أمرئ القيس وعمرو بن كلثوم والحارث بن حِلزّة اليشكري وغيرهم. وهنا نذكر نبذة مختصرة عن خلف الأحمر وحمـَّاد الراوية اللذان اشتهرا بالوضع .
الراوية خلف الأحمر.
قال عنه ابن قتيبة في كتابه "طبقات الشعروالشعراء"
هو خلف بن حيّان أبو مُحرز وكان عالماً بالغريب والنحو والنصب والأخبار شاعراً كثير الشعر جيّده، ولم يكن في نظرائه من أهل العلم أكثر شعراً منه.
وقال عنه الأصمعي: كان خلف مولى أبي برد ة بن أبي موسى الأشعري أعتقه وأعتق أبويه وكان من أكثر الرواة حفظاً وكان في زمانه أعلم الناس بالشعر واللغة وكان كثيراً مايتهم بالوضع ونحل الشعر.
وقال عنه دعبل الشاعر كنت عند خلف الأحمر وقد تذاكرنا قصيدة تأبط شراً والتي مطلعها:
إن بالشعب الذي دون سلع
لقتيلا دمه ما يُطلُ
قال لي أنا والله قلتها ولم يقلها تأبط شراً.
وعن الأصمعي: سمعت خلفا الأحمر يقول أنا وضعت على النابغة القصيدة التي يقول فيها:
خيل صــيام وخيل غير صائمة
تحت القتام وأخرى تعلك اللّجما
حمـَّاد الراوية.
هو أبوالقاسم حمّاد بن أبي ليلى بن المبارك بن عبيد الديلمي الكوفي. كان من أكثر الناس حفظاً بالأشعار وأخبار العرب وكان كثيراُ مايُتهم بوضع الشعر ونحله. كانت وفاته سنة 95 من الهجرة.
لاشك أن الشعر العربي قبل الإسلام دخل عليه انتحال كثير من بعض الرواة إلا أن كبار نقاد الشعر قديماً وحديثاً تصدوا لهم وفنَّدوا الشعر الصحيح من المنحول. ومن المؤكد أنه لولم يكن هؤلاء الشعراء أمثال امرئ القيس وغيره لم نكن نسمع بشعر راق متطور كأشعار جرير والفرزدق والأخطل وغيرهم لأن هؤلاء الشعراء هم تلاميذ الشعراء الذين كانوا قبلهم أخذوا من معينهم وطوّرا أشعارهم حسب ما يمليه عليهم واقع حياتهم.