قصيدة القدس :
واحَة ُالأرْوَاح
العِشقُ سِرٌّ والقلوبُ وعَاءُ = والحُبُّ كأسٌ ملؤهُ الإغْراءُ
قدْسُ التواصُل والشُّجونُ مَنابعٌ = ترْوي العِطاشَ إذ الحنينُ سِقاءُ
قدْسُ المَعارج للسُّراة إلى العُلا = لِلصَّائِمينَ العَابدينَ وجَاءُ
يا ربْوة َ العُشَّاق فِي انحَائِها = خَشعَ الوُجُود وَرَتَّلَ القرَّاءُ
يا واحَة الأرواح عِندَ سُمُوِّهَا = عَنْ مُغريَات سَجْعُهُنَّ دواءُ
تغدُو المَواكِبُ لا تغيبُ هُنيْهَة = مُذ جاء َ عِيسى وارْتقى الإسراء
فالقدْسُ قدْ مَلكَ الهَوَى عُنوانَهَا = فغدَا يُحاضِن ُ عِشْقَهَا الرُّحَمَاءُ
يا دارَ ترْنيم المَلائِك فِي الضُّحَى = تسْبيحُهَا التهْليل ُ والإطْراءُ
هِي أسْطرُ التاريخ فِي وَمَضاتِها = تلِدُ العقولُ وتلمَعُ الأسْماءُ
رُفِعَ الاذانُ بصَوْتِها فتواكبَتْ = سُحبُ العَطاء وغرَّدَ الحِنَّاءُ
هِيَ فِي قلوب المُؤْمنينَ عَقِيدَة ٌ = هِيَ فِي الوُجود مَنائِرٌ وَضِياءُ
هِيَ نبْعُ شهْد الرَّابضينَ بدوحِهَا = تُثري النفوس كُرومُهَا العَذرَاءُ
فالقدسُ مِيلادُ الحَضارَة والهُدى = أركانُهَا التشريعُ والإفتاءُ
توراةُ مُوسى والزَّبُورُ تنزلتْ = إنْجيلُ عِيسَى حُجَّة وَشِفاءُ
مِعْراجُ أحْمدَ والكتابُ يَمينُهُ = والسورة ُ المُهداة ُ والأصْداءُ
للقدس ِ بَيْرَقُ أنْجُم فِي جَحْفل = هُوَ فِي عُيون الصَّابرينَ رَجَاءُ
سَكبَ الهَوَى ريْحانَهُ وَعَبيرَه = فوْقَ الرُّبَا وَتألَّقَ الأدَبَاءُ
مِنْ كل ِّ فجٍّ راكبٌ ومَراكِبٌ = وشُجونُ عشق فِي الهُيَام سَواءُ
طافت ْبك الأرواح وهيَ رَهِينَة ٌ = لِهوىً ببَيْتِك والهَوى أدْوَاءُ
هام َالخلائِق ُفِي رُبُوعِك فازدَرَى = قابيل ُ هابيلا ً فسالَ دِمَاءُ
فرَزحْت والأحزانُ تحْتَ سِياطِه ِ = وَبنوك فِي قلب الحِمَى الغرَبَاءُ
أدْمَى جراحَكِ والجراحُ عَميقة ٌ = يا قدْسُ أدْمَى قلبَك التُّعَسَاءُ
أغفتْ عُيونُ السَّاهِرين جُفونُهَا = فتحالفَ الشيطانُ والجُبَناءُ
شُدِّي إزارَ الصَّبْر ِ بُرْءَ سَقامِنا = فبشائرُ التنزيل فيك دواءُ
هُزِّي إليْك ِالنخلَ واحْتسِبي الرُّؤَى = عِندَ المَخاض ِ سَمِيرُك ِ اللطفاءُ
لِقميص يوسُفَ موعدٌ وشهادةٌ = يُنبي فتنبي سِرَّهَا الغبْراءُ
يا صَحْوَة َ الصحراء عِندَ مُثارهَا = هلْ تسْتبين ُ رَشادَها الصَّحراءُ ؟!
مِنْ غيْمَة بَيْضاءَ مُمْطِرَة غدَاً = سَيفيضُ فِي الأرض السَّلامُ وَمَاءُ
ويُنيرُ أقصَاك ِ المَدائِن َ كُلَّهَا = ويَهلُّ مِنْ فُرَج الغمام إباءُ
ما بال ُ صُنَّاع المكائِد أوْقدُوا = فِتنا ً تكالبَ حوْلَهَا الأعْداءُ
أرَخيصة ٌ يا قدسُ حتَّى أنَّهُ = في القدْس ِ حُوربَ روْنقٌ وإباءُ ؟
ونِصالُ حامِيَة الثُّغور ِ هَزيلة = وأسُودُهَا فِي غابها السُّجَناءُ؟
يا ثالثَ الحَرَميْن ِ إنَّا أمة ٌ = هانتْ فداس َ عَرينَهَا الدُّخَلاءُ
خسِرَ المَكانَة مَنْ ترَاخَتْ صِيدُهُ = عندَ النزال تساقط َ الجبناءُ
مَهْرُ الحَرائر ِ بالنفائِس ِ يُحْتذى = وسِياق ُ مَهْرك ِ أنْفسٌ ودِمَاءُ
يا قدس ُ والفاروق يُوسِمُ عُهْدَةً = بعباءَةِ الإسلام لا الهيْجاءُ
صبْراً روابيَ عزَّتِي ومَفاخِري = ها قدْ أتى فِي المَوْعِد الكُرَمَاءُ
صبْراً يليقُ بِحُرَّة وأسيرة ٍ = يوم َ النداء ِ يَحُفُّكِ الشُّهَداءُ
إنْ كانَ فِي عَهْدِ التخاذل قدْ هَوَى = قومٌ تلوَّنَ مثلمَا الحِرْبَاءُ
سيَكون ُ في ركْب ِالزفاف ِجَحَافِلٌ = بيضُ الأسنة أوْجُهٌ غرَّاءُ
نهْجُ النُّبوَّة ِ فِي المَسِير إمَامُهُم = والناسُ والتكْبيرُ والعُلمَاءُ
مدِّي بساط َ الحمْدِ تسْجُد أمَّة ٌ = تاهَتْ فأرْشدَ رَكْبَها النُّجَباءُ
********