يقول تعالى { وكذلك أعثرنا عليهم} : أي أطلعنا عليهم الناس { ليعلموا أن وعد اللّه حق وأن الساعة لا ريب فيها} ذكر واحد من السلف، أنه قد حصل لأهل الزمان شك في البعث وفي أمر القيامة، فبعث اللّه أهل الكهف حجة ودلالة وآية على ذلك، وذكروا أنه لما أراد أحدهم الخروج ليذهب إلى المدينة في شراء شيء لهم ليأكلوه، تنكّر وخرج يمشي في غير الجادة حتى انتهى إلى المدينة، وهو يظن أنه قريب العهد بها، وكان الناس قد تبدلوا قرناً بعد قرن وجيلاً بعد جيل، فجعل لا يرى شيئاً من معالم البلد التي يعرفها، ولا يعرف أحداً من أهلها لا خواصها ولا عوامها، فجعل يتحير في نفسه، ويقول إن عهدي بهذه البلدة عشية أمس على غير هذه الصفة.
ثم قال: إن تعجيل الخروج من ههنا لأولى لي، ثم عمد إلى رجل ممن يبيع الطعام فدفع إليه ما معه من النفقة، وسأله أن يبيعه بها طعاماً، فلما رآها ذلك الرجل أنكرها وأنكر ضربها، فدفعها إلى جاره، وجعلوا يتداولونها بينهم، ويقولون لعل هذا وجد كنزاً، فسألوه عن أمره ومن أين له هذه النفقة، لعله وجدها من كنز، وممن أنت؟ فجعل يقول أنا من هذه البلدة، وعهدي بها عشية أمس، وفيها دقيانوس فنسبوه إلى الجنون، فحملوه إلى ولي أمرهم، فسأله عن شأنه وخبره حتى أخبرهم بأمره، فلما أعلمهم بذلك قاموا معه إلى الكهف - ملك البلد وأهلها - حتى انتهى بهم إلى الكهف، فقال دعوني حتى أتقدمكم في الدخول لأعلم أصحابي فدخل، فيقال إنهم لا يدرون كيف ذهب فيه، وأخفى اللّه عليهم خبرهم، ويقال: بل دخلوا عليهم ورأوهم وسلم عليهم الملك واعتنقهم، وكان مسلماً فيما قيل، واسمه يندوسيس، ففرحوا به وآنسوه بالكلام، ثم دعوه وسلموا عليه وعادوا إلى مضاجعهم، وتوفاهم اللّه عزَّ وجلَّ، فاللّه أعلم.
وقوله { وكذلك أعثرنا عليهم} أي كما أرقدناهم وأيقظناهم بهيآتهم، أطلعنا عليهم أهل ذلك الزمان { ليعلموا أن وعد اللّه حق وأن الساعة لا ريب فيها إذ يتنازعون بينهم أمرهم} أي في أمر القيامة، فمن مثبت لها ومن منكر، فجعل اللّه ظهورهم على أصحاب الكهف حجة لهم وعليهم { فقالوا ابنوا عليهم بنيانا ربهم أعلم بهم} أي سدوا عليهم باب كهفهم، وذروهم على حالهم { قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا} .
حكى ابن جرير في القائلين ذلك قولين أحدهما : أنهم المسلمون منهم، و الثاني : أهل الشرك منهم، واللّه أعلم.