عندما نقرأ لكثير من شعراء ذلك العصر نجد فيه من الوصف للشهامة و المروءة والأمانة والعفة ومكارم الأخلاق والوفاء بالعهد بالإضافة الى الحكمة والشجاعة وقوة بلاغة وإتقان اللغة العربية مما نعتز به أكثر مما نجده في كثير من أشعارنا والأمثلة على ذلك كثيرة لا حصر لها. فمن الأشعار التي تُعبِّر عن مظاهر الإيمان والأخلاق الحميدة التي أمرنا بها الإسلام قول عمرو بن كلثوم في إحدى قصائده:
فلا العزِّى أدين ولا ابنتيها
ولا صنمي بني طسم أديرُ
أربّاً واحد اً أم ألف رب
أدين إذا تقسمت الأمـور
ولكن أعـبد الرحمن ربي
ليغفر ذنبي الرب الغفور
فتقوى الله ربكم احفظوها
متى ما تحفظوها لا تبورا
ويقول أوس بن حُجر:
وباللأت والعزى ومن دان دينها
وبالله إن الله منهن أكبرُ
ويقول ورقة بن نوفل:
بدينـك ربـاً ليس رباً كمثله
وتركك جنات الجمال كما هيا
وإدراكك الدين الذي قد طلبته
ولم تــك توحــيد ربك ساهيا
أدين لرب يستجيب ولا أرى
أدين لم لا يسمع الدهر داعيا
أقول إذا صليت في كل بيعة
تباركت قد أكثر باسمك داعيا
ويقول النابغة الذبياني:
ولما وقاها الله ضربة فأسه
وللـبّر عـين لا تغمَّض ناظره
فقال تعالي نجعل الله بيننا
على ما لنا أو تنجزي ليَ آخره
فقالت معاذ الله أفـعل إنـني
رأيتك مسحورا يمينك فاجره
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لوفد غطفان الذين قدموا عليه من الذي يقول:
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة ً
وليس وراء الله للمرء مذهبُ
قالوا: نابغة بني ذبيان، فقال لهم:
فمن قائل هذه الأبيات:
أتيتك عارياً خلقاً ثيابي
على وجلٍ تظن بي الظنونُ
فألفيت الأمانة لم تخنـها
كذلك كان نوحٌ لا يخونُ
قالوا: هو النابغة، قال: هو أشعر شعرائكم.
وقال لبيد بن ربيعة العامري:
ألا كل شىء ما خلا الله باطل
وكل نعيم لا محالة زائلُ
وكل امرىء يوماً سيعلم سعيه
إذا كشفت عند الإله الخصائل
وقال أيضاً:
ما عاتب المرءَ الكريم كنفسه
والمرءُ يصلحه الجليس الصالح
وقال عدي بن زيد العبادي:
كفى واعظاً للمرء أيام دهـره
تروح به الواعظات و تغتذي
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه
فكـلُ قرين بالمقارن يقــتدي
فإن كان ذا شرٍ فجــانبه سرعةً
وإن كان ذا خير ٍ فقاربه تهــتدي
إذا ما رأيت الشر ينعت أهـله
و قام جناة الشر بالشر فأقــعد
وكذلك نرى عنترة يعطينا دروساً في الأخلاق الحميدة وفي الشجاعة والعفة والمروءة، نرى من
خلالها شخصية المعلم المربي، فيقول:
أغشى فتاة الحي عند حلـيـلـها
وإذا غزا في الحرب لا أغشاها
وأغض طرفي ما بدت لي جارتي
حتى يواري جـارتي مأواها
إني أمـرؤ سمح الخلـيقة ماجدٌ
لا أتبع النفس اللجـوج هواها
ويقول:
أبصرتُ ثمُّ هويتُ ثم كتمتُ
ما ألقى ولم يعلم بذاك مـناجـي
فوصلتُ ثم قدرتُ ثم عففتُ من
شرفٍ تناهى بي إلى الانصاج
ويقول أيضاً:
لئن أك أسوداً فالمسك لوني
وما لسواد جلـدي من دواءٍ
ولكنْ تبعـد الفحشا ء عـنـي
كبعد الأرض عن جو السماء
ويقول الشنفرى هذه الأبيات الرائعة التي تنم عن منتهى العفة واحترام المرأة لا كما ينا دي به شعراء المرأة هذه الأيام:
لِقَدْ أَعْجَبَتْنِي لا سُقُوطاً قِناعُها
إذا ما مَشَتْ ولا بِذاتِ تلفتِ ِ
تبِيتُ بُعَيْدَ النَّومِ تُهْدي غُبُوقَها
لجارا تها إذا الهد ية قلـت
كأ ن لها في الأرضِ نَسْياَ تَقُصَّهُ
على أمِّهـا وإ ن تُكلمك تبْلُتِ
أُميمَةُ لا يُخْزي نثاها حَليْلَها
إذا ذُكر النِّسوانُ عفََّّتْْ وجَلَّتِ
تبيتُ بمنجا ة عن اللوم بيتها
إذا ما بيوت بالملامة حلت
إذا هو أمسى آب قرة عينه
فآب السعيد لم يسل أين ظلت
فدّقَّت وجَلَّت واسبكرَّت وأُكْمِلت
فلَوْ جُنَّ إنْسانٌ من الحُسْنِ جنت
و نعجب عند ما نرى امرئ القيس في ذلك العصر يأتي في شعره من أحوال أهل الجنة
وما فيها من نعيم مخلّد فيقول في إحدى قصائده:
الأعم صباحاُ أيها الطلل البالى
وهل يعمن من كان في العصر الخالي
وهل يعـمن إلا ســعـيد ٌ مخــلدٌ
قليل الهموم ما يبيت بأوجال
ويقول:
الله أنجح ما طلبت به
والبر خير حقيبة الرجل
ويقول الأعشى:
فلا تحسبنّي كافراً لك نِعمةً
على شاهدي ، يا شاهد الله فأشهد
ويقول حاتم الطائي في الكرم والجود:
أماوِىَّ إِنَّ المالَ غادٍ ورائِحٌ
ويَبْقَى من المالِ الأَحادِيثُ والذّكْرُ
أَماوِىّ إني لا أَقُولُ لسائِلٍ
إِذَا جاءَ يَوْماً حَلَّ في مالِنا نَذْرُ
أَماوِىَّ إِمَّا مانِعٌ فمُبَيِّنُ
وإِمَّا عَطاءٌ لا يُنَهْنِهُهُ الزَّجْرُ
أَماوِىَّ ما يُغْني الثَّرَاءُ عن الفَتَى
أِذا حَشْرَجَتْ يَوْماً وضاقَ بها الصَّدْرُ
أَماوِىَّ إنْ يُصْبِحْ صَدايَ بِقفرَةٍ
من الأَرضِ لا ماءٌ لَدَيَّ ولا خَمْرُ
تَرَىْ أَنَّ ما أَنفقتُ لم يَكُ ضَرَّنِي
وأَنَّ يَدِي ممَّا بَخلْتُ به صِفْرُ
وقد عَلِمَ الأَقْوَامُ لَو أَنَّ حاتِماً
أَرَادَ ثَرَاءَ المالِ كان له وَفْرُ
ويقول امرؤ القيس مؤكدا على العهد والمواثيق وحفظ الجوار وهو ذاهب الى القيصر مع صاحبه بعد مقتل والده:
هو المنزل الآلاف من جو ناعط
بني أسد حزنا من الأرض أوعرا
ولو شاء كان الغزو من أرض حمير
ولكنه عمدا إلى الروم أ نفرا
بكى صا حبي لما رأى الدرب دونه
و أيقن أنا لا حقان بقيصرا
فقلت له: لا تبك عينك إنما
نحاول ملكا أو نموت فنعذرا
وإني زعيم إن رجعت مملكا
بسير ترى منه الفرانق أزورا
على لاحب لا يهتدي بمناره
إذا سافه العود النباطي جرجرا
عليها فتىً لم تحمل الأرضُ مثله
أبـرَّا بمـيثاقٍ و أوف وأصــبرا
ويقول عروة بن الورد العبسى، أمير الصعاليك في ذلك العصر يخاطب رجلاً ثريا بخيلاً فخر عليه بماله وضخامة جسده:
إني امرؤ عافي إنائي شركة
وأنت امرؤ عافي إناؤك واحـدُ
أقسِّم جسمي في جسوم كثيرة
و أحسو قراح الماء والماء بارد
أتهزأُ مني أن سمنتَ و أن ترى
بجسمي مسَّ الحق والحق جاهد
عن عبدالملك بن مروان قال من أجل هذه الأبيات: ما سرّني أن أحداً من العرب ممن ولدني
لم يلدني إلا عروة بن الورد لقوله هذه الأبيات.
آخر تعديل شاكر السلمان يوم 10-17-2013 في 05:57 AM.