بشاعة اليوم لا تمحى ..أشلاء مقطعة، نيران مستعرة، وصوت أنين موجع يتفشى بين سحب الدخان، كلها جاءت بعد دوي انفجار هز أركان البيوت، وكسر زجاج النوافذ في كل المحال القريبة، ركضت مسرعاً أتخطى درجات السلم أربع.. أربع..لانطلق مواجهة لهذا المنظر، عبرت الشارع نحو رجل ممددٍ على الأرض مدمي يتقاطر الدم من أنحاء جسده كأنه مطر احمر يروي ارض الشارع الأسود، حملته وسرت به مسافة غير بعيدة، وهو يقول بصوت خافت (إسعاف.. إسعاف..) حملته وكان هناك ثلاثة رجال غيري،مثلي يحملون ما احمل، كنا أربعة رجال لا نعرف بعضنا، ولا نعرف حملنا، سوى أنهم أبناء بلدنا، فقدوا وعيهم من هول ما أصابهم، كانوا فاقدين الوعي إلا رجلا كنتُ حملته.
وراعني منظر هزني من الأعماق، منظر رجل مصاب برأسهِ ، حيث خط الدم مساراً على جسده، يتحامل على جرحه متجها نحو سيارة احترق نصفها الأمامي، ليخرج ولده ذا العشر سنين، يحمله بين يديه وهو في الرمق الأخير، يسير به بين حطام المحال والمطعم الشعبي وشظايا السيارات، باتجاه الشارع الفرعي، حيث توقفت بعض سيارات المواطنين،تقل جرحى الانفجار الذي هز صباح بغداد المشرق،فأحاله كالحا داميا بلون الغروب، هذه السيارات اتخذت دور سيارات الإسعاف التي تأخرت كثيرا عن القدوم،حملت على كتفي رجلا نازفا سال دمه علي فشعرت بحرارته حتى وضعته بجنب آخر كان مصابا وقطعت خرقة من ثوبه الممزق لففت بها يده التي جذ قسم منها قائلا له اضغط عليها لإيقاف النزيف حتى تصل الى الطبيب
وبعد برهة من الزمان تجمع رجالات الأمن، وكانوا يصرخون ويزعقون، وبعضهم بدأ بإطلاق الرصاص ليفرق الناس الذين تجمهروا، منهم للفرجة ومنهم لإبداء يد المساعدة، وكنت حينها متجها لبيتي فعدت غاضبا صارخا بوجه أقربهم إلي.. وجهوا رصاصاتكم باتجاه من فجّر.. باتجاه الإرهاب.. لا باتجاه السماء.. فنظر ألي وقد راعته الدماء التي صبغت ثيابي، فاعتذر وقال لم أطلقْ النار قلت له إنها نخوة عراقية ، بدل هذا انجدوا الناس، وعدت إلى البيت ،ارتجف غضبا وحزنا، وهناك حرارة بقلبي.. الله اكبر يا عراق ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
بغداد- عامر الحسيني 30/5/2012