بعد أتقانه فنّ الخاطرة يظهر الأديب مختار سعيدي في فنّ الومضات القصصيّة أو ما أطلق عليه هو القصة القصيرة جدّا
وقد أردت أن أسلّط الضّوء على أحدى ومضاته القصصيّة التي أنتجها قلمه هنا
تنزل
تنزل كالغيث...
تسقط كالأمطار...
هي دائما نحو الأسفل...و هو يتبخر
فللومضة القصصيّة مقومات صنّفها الدارسون الى أربع أساسية
أولها
التّكثيف
ويعنى به الإقتصاد في الكلمات والإنتباه لكلّ الزّوائد والحشو حتى يكون رصدها نبيها ومتقنا وذا دلالات
وهو ما نلاحظه في الومضة موضوع تسليط الضّوء
وتعتمد على استعمال الأفعال الدّالة على الحركة مع تجنّب أوالتّقليل من حروف الرّبط
ثانيها
تجنّب إستعمال الصّفات
وهوما استجاب له في ومضته باعتبار انّ الأفعال تغني عن الصّفات
ثالثهما
استعمال الجمل القصيرة جدّا مع تجنّب استخدام حروف العطف
رابعها
اعتماد الحوار وتجنّب السّرد وهو غائب هنا في ومضة قديرنا المختار
مع ضرورة ابراز البطل في الومضة والبطلة هنا هي
حاملة الافعال ...وقد ذهب المحللون في شأن الومضة أنّ تغييب البطل لا يستجيب لفنيات الومضة فلابدّ من ابرازه من خلال الضّمائر أو مباشرة بتسميته والإشارة إليه بوضوح
ثمّ أنّ اعتماد الإيحاء الذي يقود المتلقي لمعرفة مقاصد الكاتب وهو ما يستوجب التّنميق
وهذا نراه واضحا في قول مختار
تنزل
تسقط
هي نحو الاسفل
وهو يتبخّر
فانشغال القارئ لمعرفة المقصد يتنامى من حركة الفعل
ثمّ أنّ اعتماد المفارقةهامّ جدّا في الومضة القصصيّة
وهو ابراز التّناقض بين طرفين من المفروض أن يلتقيا
وهذا واضح في قوله
هي تنزل
تسقط
أمّا
هو يتبخّر
فالمفارقة هنا درامية بامتياز
والخاتمة لا بدّ أن تكون في الومضة مثيرة لدهشة المتلقي ...وقد صاغ أديبنا الخاتمة فجاءت غير متلائمة ولا متناغمة مع المضمون وحوامله وقد وفّق جدّا فيها لأنّ هذا هو المطلوب
هذا ما أردت أن أسلّطه على الومضة القصصيّة مفضّلة تسميتها بهذا لأنّها تختلف مع القصّة القصيرة جدّا ومختلفة عنها لأنّ الإيماض فيها عنصر هام ومقوّم من أهمّ مقوّماتها
مع تقديري لما يمتعنا به هذا الأديب القدير من لغة شعريّة تفيض من روحه الثّرة .