كان أهل العراق أهل فطنة وذكاء ؛ إذ سياسة الأغبياء أسهل عليهم؛ فقد قال الإسكندر لأرسطا طاليس: قد أعياني أهل العراق، ما أجري عليهم حيلة إلا وجدتهم قد سبقوني إلى الخلاص، فتخلصوا قبل إيقاعها بهم؛ وقد عزمت على قتلهم عن آخرهم. فقال: إذا قتلتهم فهل تقدر على قتل الهواء الذي غذى طباعهم وخصهم بهذا الذكاء ؟ فإن ماتوا ظهر في موضعهم من يشاكلهم.
فقال: ما الرأي ؟ قال: من كان فيه هذا العقل كانت فيه أنفة وحمية وشراسة خلق، وقلة رضا بالضيم؛ فاقسمها طوائف، وول على كل طائفة أميرا، فإنهم يختلفون، فإذا اختلفوا فلت شوكتهم فغفلوا. فأقاموا مختلفين أربعمائة عام حتى جمعهم أردشير بن بابك وقال:
إن كلمة فرقت بيننا أربعمائة سنة لمشؤومة.