قراءة نقدية لقصيدة ( الرفض ) للشاعر عواد الشقاقي بقلم الشاعرة نبيلة حمد
البنية الهرمية في قصيدة الرفض للشاعر عواد الشقاقي
-------------------------------------------------
تعتبر الوحدة العضوية للقصيدة من أهم ما يميز القصيدة العربية الحديثة ، فالوحدة روح تحفظ النص الشعري من التشتت وضياع الفكرة ،وتجعلها تتنفس ضمن سياق منتظم يمسك بمفاصل القصيدة ويبعدها عن الحشو والتكرار .
ويعتبر البناء الهرمي الذي تقوم فكرته على تقسيم القصيدة لمقاطع متناسقة متراكبة الفكرة ضمن أسلوب سردي فصصي من أهم ما يميز الشاعر المتمكن من ادواته ولغته البيانية البعيدة عن التعقيد والغلو .
وقصيدة الرفض للشاعر عواد الشقاقي واحدة من أبرز القصائد التي حققت نجاحا منمازا في هذا المجال فالطابع السردي القائم على تكثيف الفكرة وجمالية التصوير ومتانة التركيب اللغوي للعبارة إضافة للصور المتراكبة و تلك النكهة العروضية ممشوقة الجرس اللفظي 'كل هذه جعلت قصيدة الرفض نصا يستحق التأمل والوقوف عنده .
باعتبار ان العنوان هو ثريا النص والبدء بالعنوان يمثل مدخلا مناسبا للوقوف على طبيعة الرؤيا التي عكستها القصيدة وهو أي العنوان كالنور في درب أظلم ..فكلمة الرفض مصدر للفعل رفض والمصدر يعطي قوة للحدث ويركز عليه باعتبار أن الشاعر يرفض ما تبين له أنها تداعيات الظلم وارتدادات مزلزلة لواقع البشرية اليوم .
ولا ريب أن استخدام ال التعريف يعطي للرفض قوة وثباتا واستحقاق تأمل فالشاعر سينطلق بنا بخطى ثابتة عبر دينامية محفزة رغم سوداوية النظرة لعالم اليوم الغارق في غيه
وبهذا يكون العنوان سياقا بدلالته اللغوية البليغة يهيء المتلقي لمعانقة النص واستيعاب مرامي الشاعر
والمتتبع لقصيدة الرفض يرى ميلا لنمذجة الشخصية الرئيسة وهي الرافض وهذا يتماشى والقصيدة العروضية وميلا لتفريغ الذروة منذ البداية .
قضى الدهرَ أشطرُهُ من سعيرْ
يسيرُ بصيراً بليلِ المصيرْ
وحيثُ اعتناقٌ من الليلِ يغشى
الحياة على نِحلةٍ من ثُبور
والشاعر هنا يؤصل لنمذجة الشخصية الرافض وجعله أقرب للمصلح من خلال استنطاق الرموز التاريخية
ونستطيع تقسيم القصيدة إلى ثلاثة مفاصل
القسم الأول :
من البيت الأول للبيت العاشر
وفيه قدم الشاعر خلاصة للموضوع وهو الرفض والثورة الماثل في النموذج وهو الرافض وجعل باقي القصيدة تبيانا وتوضيحا لهذه الفكرة
قضى الدهرَ أشطرُهُ من سعيرْ
يسيرُ بصيراً بليلِ المصيرْ
وحيثُ اعتناقٌ من الليلِ يغشى
الحياة على نِحلةٍ من ثُبور
وهنا نلمح التكثيف للفكرة والمبني على جمال التصوير ومتانة العبارة الشعرية إضافة إلى حسن التقديم والبناء القصصي المتدرج حيث صور الرافض المتحدي المتبصر يقف على عتبة الدهور ليعلن موقفه المحتج على ألوان الليل وظلمته
القسم الثاني : من البيت الحادي عشر الى البيت الثامن عشر
وفيه يتحدث الشاعر عن الصراع الذي بتصاعد باتجاه التصادم بين قيم الحق التي مثلها الرافض في وصفه للظلام الذي يلف الكون مع عصابة الشر والظلم
على وهَمٍ قد أُقِرَّ سبيلاً
إلى طاعةٍ ، من ولاةِ القبور
تسيَّر شلواً بطولِ الحياةِ
إلى هوَّةِ العدَمِ المستطير
وهنا نلمح التطوير والتنويع في أسلوب الحكاية السردية عند الشاعر فهو بتجاوز نفسه ليعرض المصلح المحتج على قتل البشرية وهدم أرواحها
والاتكاء على الرموز التاريخية كان جليا لتقريب فكرة الصراع وتأصيل أسبابه
وأنَّ إذا النورُ منبثقاً
من النفسِ للنفسِ ، أمرٌ خطير
القسم الثالث : من البيت التاسع عشر إلى البيت السادس والثلاثين
وفيه قدم الشاعر تأصيلا لحقيقة التضحية التي يقدمها الرافض من أجل إنقاذ البشر واجنثاث أرواحهم مم مستنقع التجهيل بلغة شعرية تعتمد الوصف المتدرج لحكاية المصلح وتصوير بلاغي يعكس خصب التجربة الشعرية ونجابتها بل وبعدها عن التقليد بانزياحات مدهشة
وألفٌ من الجوعِ والعريِ والدَّمعِ
عُبَّتْ كؤوساً بليل الأمير
وألفٌ على أنهرِ الدّمِ شيدتْ
مُلوكاً جنائِنُها لاتبور
وخفقةُ ضوءِ انعتاق الزمانِ
من الليلِ في عالمٍ يستنير
وكانت القفلة غاية في الجمال البياني المنسجم مع الفكرة السامية التي أرادها الشاعر فستدرك الأجيال غايتها وسعادتها حين تمسك بأول الطريق وترفض الليل
كذلكَ ما سوفَ تُرسِلُهُ
قلوبٌ ترى الله فيها الحبور
لأجيالِ قادمةٍ من نفور
ورفضٍ إلى غدِها المستنير
الخلاصة
بما أن كل لغة تستحق الحياة بمفدار ما فيها من معان جديدة خالدة نرى هذه الفصيدة تصور ثورة روح الشاعر على ظلم العتاة .ونلمس هنا أسلوب الشاعر الذي هو صورة لشخصيته نراه مبدعا في معالجة الموضوع منطلفا من تجربة فردية تتنامى حتى تشكل حلما .واختيار العنوان الموفق كان كافيا لوحده ليضتع ثورة
والخيال التصويري الابداعي لدى الكاتب كان حاضرا
كانت الكلمات تؤدي المعنى المراد بتميز ونجابة
وكان استنطاق الإشارات التاريخية يعطي للحدث صورة جديدة حية تتنفس بلا غرابة أو تعقبد
إذن برزت شخصية الرافض المصلح هنا متمردا وحكيما ومصلحا في عالم بشري يأبى إلا تمجيد الظلم واحترامه وكأن الشاعر انطلق ليصور ثورة روحه على قسوة ااحياة وظلمها بروح شعرية بدت حية تتنفس في كائن القصيدة الحي وتضافرت العناصر الأدبية لتحقق التماسك البنائي في قصيدة بدت كملحمة شعرية صورت رؤية الشاعر لمنهج المصلح الرافض