اصطحبها بعد أن أقنعها أن لا حل غير هذه الطريقة، و هو يعدها بتكرار الفعلة إن نجحت خطته ، أراد أن يفر بها ليوم أو بعضه، بعيدا عن المدينة التي رفضتهم، فالعلمة مدينة تتعقب الحب و تطارد الطيور، هي تماما مركز بوليسي يمارس الرقابة على القلوب، يخنق الأعناق و يجثم صخبها على صدرك.
رغم عدم اقتناعها باديء الأمر بخطته الغريبة و المحفوفة بالمخاطر، إلا أنها رضخت للمشاعر التي تنتابها، و استسلمت للحيوان الذي يسكنها، هذا الحيوان الذي تحسه يكاد يتمرد عليها و قد بفتك بها، كل يوم تنهش الأحاسيس صدرها و هي تنتظر لحظة تنفرد به، وقت مستقطع من الحياة، بعيد عن الجدران الأربعة، و قد بدا الأمر مثل الأفلام الهندية.
أشار لسائق التاكسي بالتوقف بجانب الطريق، على مقربة من الغابة.
-رقم هاتفك عندي، عندما أعيد الاتصال بك لا تتأخر في القدوم لتعيدنا.
-سأكون بانتظار اتصالك سيدي.
أمسكها من خصرها حيث كانت الغابة تلتقط أنفاسها، ، و تتربص بنبض القلب الذي كان يسارع بالخطو نحو الغابة، بخطوات بطيئة تخللتها بعض القبل و بعض عبارات الحب؛ التي كثيرا ما انسلت منه في شكل بخار يشبه الابتسامات و أحيانا جمل مشفرة. دلف بها نحو زاوية من الطبيعة الأولى.
ثم بحركة رشيقة و بشقاوة شيخ بلغ الخمسين خيبة، التقطها بين ذراعيه و هو ينهش عينيها، تناولها كفريسة تتمتع بافتراسها، تنتظر أن يغرس شفتيه في فمها بقوة و لزمن تحبه خارج التوقيت، لا تريد للساعة أن تستطرد في وظيفتها الرتيبة، تريد للوقت أن يصاب بالزكام؛ فيستريح و يأخذ إجازة مرضية، ليهملهما قليلا، ليترك لهما مساحة كافية للعبث، للطيش، للحب. تريد للجاذبية أن تصاب بالعطب، ليتحررا، فيخرجا من دائرة الوجود قليلا.
لم يكن بيد الأشجار إلا دعوة العصافير لحفلة تبدو صاخبة، كذلك الشمس، التي استيقظت على خطتهما، و من لحظتها و هي تترصدهم، و تترقب انفراده بها، و رغم كثافة الأشجار إلا أنها استطاعت أن تنفذ إليهم؛ فترسم تعابير و تفاصيل أجسامهم على الأرض، تفاقمت حرارة الجو، و تقلصت المسافة بينهما فغدت قلب قوسين من النار.
-كم اشتقت لرائحة العرق التي تملأ رقبتك.
قالها و هو يطارد نقطة عرق تتدحرج على جسدها، مرر يديه على شعرها الذي مشطه الريح. و هي تلفظ اللذة تنهدات لغوية:
-و لكم اشتقت للدغات شاربك، و كأنها عقارب مخدرة.
و استسلمت تماما لبحة صوته، لقوة ذراعيه و إن كانت مختلطة بالارتعاش و الرجفة، عزت ذلك للهواء البارد قليلا، سافرت في رائحة دخان السجائر العالق بمعطفه، و هو يلتهم الصمت الذي كان يحتضنهما، يقلص المسافة بينهما، بعناق يتمناه طويلا، يريده قيدا يشبه العبودية لرائحة جسدها.
أحسا ببعض الحركات تقترب منهما، سارع بسرعة لرفع سرواله، و هو يهمس لها:
-لا تخافي دونك الموت حبيبتي.
انطلق صوت صفارة سيارة الدرك الوطني، ليندس للغابة نحوهم و بسرعة دركيان، اتجه نحوهما قبل الوصول إليهما، و هو يصيح بوجههما:
-انتظرا حتى ترتدي ملابسها و بعدها افعلا ما يحلو لكما.
اقتادهما الدركيان نحو مركز الدرك، و صفارة السيارة تعوي و كأنها تشي بهما، ربما هو الفرح بصيد ثمين و ذبح عظيم. نظر نحوهما أحدهما و هو يرشق العجوز بنظرة لوم و سب:
-ماشي عيب عليك، الشيوخ اللي مثلك راحوا حجو.
-الحج خليتو لصحابك.
في مركز الدرك كان قائد المركز ينظر لوجههما و هو يبتسم سخرية و اشمئزاز منهما:
-سبحان الله، كيف استطعت أن تفعل هذا؟، ألا تستحيان من عملكما هذا، و كأنكما مراهقان تهربان بحبكما بعيدا عن العائلة. أتعرف أن هذا إخلال بالأدب العام؟.
طأطأ الشيخ رأسه، لتنفلت دمعة أحرقت قلبه، ثم تناول من جيبه بعض الأوراق و هو يتحدث بنبرة سخط ابتلعه البكاء و حشرجة حنجرته الملتهبة.
- إسمع بني، هذه المرأة هي زوجتي، و هاك دفتر العائلة و بطاقتينا. حضرات القائد، البيت الذي أملكه مكون من غرفة واحدة، مع أربع فتيات و ولدين، حتى النوم نتناوب فيه، فأين يمكنني أن أمارس الحب، إلا الهرب به نحو الغابة.