-------------------------------------------------------------------
كلٌّ منا يتذكر أيام الطفولة الجميلة وكيف كانت مشاعرنا وإرهاصاتنا ونحن نترقب الأيام بل الساعات والدقائق وحتى الثواني التي تفصلنا عن لحظة إطلالة يوم العيد السعيد علينا لدرجة أن كل منا في ليلة العيد يصاب بالأرق من شدة اللهفة الحارقة لبزوغ شمس العيد وملابسنا الجديدة تحت وسائدنا وكنا نتمنى أن ينزل علينا النوم الحبيب لنستبق فيه حالة الترقب والانتظار ونختصر الوقت فننهض مبكرين فرحين ومسرعين لنطرق أبواب الأهل والجيران والأقارب لنُنشِد لهم أنشودة العيد الحبيبة على قلوبنا ( ياعيد يابو نمنمة خذنا وياك للسينما ياعيد يابو مراية خذنا وياك مشاية ) ونزداد غبطة وبهجة حين نحصل على عيدياتنا البسيطة التي لاتتجاوز الـ ( خمسة وعشرين فلساً ) التي هي سعر تكلفة ألعاب العيد التي لاتتعدى ركوب الأراجيح أو دواليب الهوى الموجودة في أطراف مدينتنا الصغيرة الجميلة وكانت حياتنا آنذاك عالمٌ من عبير وألوان قوس قزح ، ولبراءة طفولتنا ونقائها وقناعاتنا الصادقة ولنقاء الحليب الذي رضعناه من صدور أمهاتنا كنا ننظر إلى هذه الخمسة وعشرين فلساً وكأننا سنطير بها إلى أعالي النجوم في السماوات البعيدة وكنا نفخر بأعيادنا لأنها تجلب لنا الفرح والحبور والنشوة والطرب بعيديّاتنا وأراجيحنا وكانت أعيادنا هي الأخرى تفخر بنا لأننا كنّا قنوعين بعيديّاتنا البسيطة والحبيبة التي لم تكن آنذاك تثقل كاهل جيوب الأهل أو الجيران أو الأقارب ، ولأننا كنا ننشد بأعيادنا تلك أناشيد الفرح والبهجة فيفرح هؤلاء الأهل والجيران والأقارب لفرحنا ويترنمون بترانيمنا فيعم الفرح في أرجاء مدينتنا الصغيرة والمدن المجاورة الأخرى ، وكان العيد آنذاك ذا طعم ولون ورائحة لايمكن وصف لذّاتها وجمالها وعطورها كما لايمكن إيجاد مقارنة بين حلاوة أعيادنا القديمة تلك ومرارة أعياد هذا الزمان الجديد ، حيث أن أعياد هذا الزمان ليس لها طعم ولا لون ولا رائحة لسبب أنّ أطفال هذا الزمان ليسوا كما نحن آنذاك خُلُقاً وأخلاقاً أبرياء أنقياء ، ولم يرضعوا حليب أمهاتهم بل رضعوا حليب ( الكيكوز ) ولذلك جاؤوا جاحدين غير بارّين وناريّي النزعة في السلوك في الحياة وأنّ الأعياد لديهم أعراسٌ لهم والناس جميعاً مباركون مهنئون مهلهلون ، ولأنهم غيرُ قنوعين بعيدياتهم حيث أنهم لايرضون بـأقل من ( خمس وعشرين مليون دينار على الأقل ) ولا يستسيغون ركوب الأراجيح ودواليب الهوى في قراهم الصغيرة الجميلة التي خُلِقوا منها وفيها ولها ، وكذلك لأنهم أصبحوا لا يستسيغون إلّا ركوب الأطباق الطائرة العابرة للقارات هم وآبائهم وآباء آبائهم وأبنائهم وأبناء أبنائهم ليحلِّقوا بها إلى سماواتهم البنفسجية السحيقة فيركضون لها لاهثين متنابزين بالألقاب متقاتلين فيخدشون بذلك طيبة ونقاء وبساطة ورقة العيد السعيد ، كما ولأنهم لايعرفون أداء أناشيد الفرح التي تُدخل البهجة والسرور في قلوب الأهل والجيران والأقارب ، وكذلك لأنّ العيد يخاف منهم ويبغضهم .