إنّ قصّة النّبي موسى (ع) في سورة الكهف تتعلّق بعلم ليس هو علمنا القائم على الأسباب. و ليس هو علم الأنبياء القائم على الوحي. إنّما نحن أمام علم من طبيعة غامضة أشدّ الغموض. علم القدر الأعلى، و ذلك علم أسدلت عليه الأستار الكثيفة. حيث مكان اللقاء مجهول، و زمان اللقاء غير معروف هو الآخر. مع عبد غير معروف وصفه الله تعالى أنّهُ (عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَ عَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا).
أمّا المثير في هذه القصّة أنّه برغم أنّ الله خصّ نبيّه الكريم موسى (ع) بأمور كثيرة. فهو كليم الله عزّ و جلّ، و أحد أولي العزم من الرّسل، و صاحب معجزة العصا و اليد، و النّبي الذي أنزلت عليه التّوراة دون واسطة، و إنّما كلّمه الله تكليما، نرى هذا النّبي العظيم يتحوّل إلى طالب علم متواضع يحتمل أستاذه ليتعلّم. فمن يكون هذا العبد الذي يتجاوز السّياق القرآني إسمه؟!. لذلك فهو يظلّ مجهولاً و إن جاء في بعض الحديث أنّه هو الخضر (ع)، وأنّ الفتى هو يوشع بن نون...
كشف العبد الرّبّاني للنّبي موسى (ع) شيئين في الوقت نفسه... كشف له أّنّ علمه محدود... كما كشف له أنّ كثيرًا من المصائب التي تقع على الأرض تخفي في ردائها الأسود الكئيب رحمة عظمى. و أنّ ظاهر الأشياء يختلف عن باطنها. ثمّ ينفض الرّجل يده من الأمر. فهي رحمة الله التي إقتضت هذا التّصرّف. و هو أمر الله لا أمره. فقد أطلعه على الغيب في هذه المسألة و فيما قبلها، و وجّهه إلى التّصرّف فيها وفق ما أطلعه عليه من غيبه. ثمّ إختفى في المجهول كما خرج من المجهول...
و يرى كثير من الصّوفيّة أنّ هذا العبد الرّبّاني وليّ من أولياء الله تعالى، أطلعه الله على جزء من علمه اللدني بغير أسباب إنتقال العلم المعروفة. و يرى بعض العلماء أنّ هذا العبد الصّالح كان نبيّا...
و لعلّ هذا الغموض حول شخصه الكريم جاء متعمّدًا، ليخدم الهدف الأصلي للقصّة...