هكذا كنت ُ قديماً ... أترك الأسماء و الأوراق والأزهار عند نافذة الحروف
و أحتسي فنجان قهوتي الأخير ، وأترك الأحلام عند باب قلبي الصغير
و أترك الدفاتر القمرية .. و أحمل الأقلام و المحابر الشتوية .. و أجلس على أريكتي
لأنثر َ النجوم حول ليلتي ... لا تحزني يا زهرتي ، فلقد رأيت قبل مولدي شاعرا ً
يحرك القصيد في يديه ، كأنه وليده ُ و حبه الخفيْ .. و يسأل عن حدود مقلتيه ْ
لا تحزني يا زهرتي ..فقد أتاني و الحنين يشدني إليه .. فيربت على ذراعي َ
و يأوي في كتابي الأزلي ... ما اسمه ذاك الخفي .. ما عمره ..من أين يأتي
سائلا ً عني المرايا و الزوايا ، سائلا ً عن لثغتي ..عن ضحكتي عن جرحي المنسي
هذا حبيببي يا إلهي ، فلتنام الأمنيات على يديه ... قد علمني لغة ً أخرى لا يفهمها
وطني .. و قال : يا ولدي ..لا تيأس و دع قلبك يزهر وردا ً و سلاما ً
و انهل من بحر الشعر .. كي ترقى يوما ً بالحب .. و اترك أحزانك عند القلب
يا أبتي الرائع .. أرشدني إلى لغتي الفصحى ... فأنا لا أملك شيئا ً في الدنيا
إلا جرحي ... يا رجل الضاد ، تعال إليَّ.. أخبرني عن ابن جرير ٍ و كثير ٍ
و اترك في بابي حرفين ... يا رجلا ً عاهد أقلاما ً شتى .. أن لا يتركهم
عند القصف .. أن ْ يحملهم بين ثنايا الروح مثل الكف ... يا رجلا ً أبحر في
بحر الضاد طويلا ً ... لا ُتبحر عنا .. يا ربّان سفينتنا ، أبحر معنا لحدود الشمس
فهناك أوراق ٌ حبلى تجتاح ُربانا ..و هناك خيوط ٌ لا تعرف معنى صِبانا ..
يا أبتي شكرا ً يا أبتي ... الحرف يداعب أمنيتي .. و عيونك صارت ملهمتي
يا رجل الضاد .. يا أبتي ..لا تحزن فحبيبة روحك بغداد ، تنير حياتك
و تناديك بكل حنين ٍ عند صلاتك .. فلتنهض يا حرف( الباء )..من البدر
و لتبحث عن روحك في الأرض .. فهناك على شفة اللغة الأولى حب ٌ أبدي
و لتنهض يا حرف الــ ( غين ) من الغرب و ألبس في كفك ألوانك و أبحث عن
طيف ٍ محترق ٍ يفتح بيبانك .. و لتنهض يا حرف الـ(دال) و لتخبر أبتي عبد رسول ٍ
عن أحوالك ... بغداد هناك تشد العزم على التنكيل بأعدائك .. يا أبتي يا رجل
الضاد .. أتركني عند ديوانك .. و اسمح لطيور ٍ من بلدي أن تُلقي بأرضك أحبابك
يا رجل الضاد .... دمت لنا نبعا ً تروينا بحنانك ...
التوقيع
أحنُّ إلى خبز أمي
و قهوة أمي .. و لمسة أمي
و تكبر فيّأ الطفولة .. يوماً على صدر يوم
و أعشق عمري .. لأني إذا مت ُ أخجل ُ من
دمع ... أمي ...