قوله تعالى: { قاتلوهم} أمر. { يعذبهم الله} جوابه. وهو جزم بمعنى المجازاة: والتقدير: إن تقاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين. { ويذهب غيظ قلوبهم} دليل على أن غيظهم كان قد اشتد.
وقال مجاهد : يعني خزاعة حلفاء رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم. وكله عطف، ويجوز فيه كله الرفع على القطع من الأول. ويجوز النصب على إضمار (أن) وهو الصرف عند الكوفيين، كما قال:
فإن يهلك أبو قابوس يهلك
ربيع الناس والشهر الحرام
ونأخذ بـعده بذناب عيش
أجب الظهر ليس له سنام
وإن شئت رفعت (ونأخذ) وإن شئت نصبته. والمراد بقوله: { ويشف صدور قوم مؤمنين} بنو خزاعة، على ما ذكرنا عن مجاهد. فإن قريشا أعانت بني بكر عليهم، وكانت خزاعة حلفاء النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
فأنشد رجل من بني بكر هجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له بعض خزاعة: لئن أعدته لأكسرن فمك، فأعاده فكسر فاه وثار بينهم قتال، فقتلوا من الخزاعيين أقواما، فخرج عمرو بن سالم الخزاعي في نفر إلى النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم وأخبره به، فدخل منزل ميمونة وقالاسكبوا إلي ماء) فجعل يغتسل وهو يقول: (لا نصرت إن لم أنصر بني كعب). ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتجهز والخروج إلى مكة فكان الفتح.
قوله تعالى: { ويتوب الله على من يشاء} القراءة بالرفع على الاستئناف لأنه ليس من جنس الأول ولهذا لم يقل (ويتب) بالجزم لأن القتال غير موجب لهم التوبة من الله جل وعز وهو موجب لهم العذاب والخزي وشفاء صدور المؤمنين وذهاب غيظ قلوبهم ونظيره: { فإن يشأ الله يختم على قلبك}[1] تم الكلام.
ثم قال: { ويمح الله الباطل}. والذين تاب الله عليهم مثل أبي سفيان وعكرمة بن أبي جهل وسليم بن أبي عمرو، فإنهم أسلموا. وقرأ ابن أبي إسحاق { ويتوب} بالنصب. وكذا روي عن عيسى الثقفي والأعرج، وعليه فتكون التوبة داخلة في جواب الشرط، لأن المعنى: إن تقاتلوهم يعذبهم الله. وكذلك ما عطف عليه. ثم قال: { ويتوب الله} أي إن تقاتلوهم. فجمع بين تعذيبهم بأيديكم وشفاء صدوركم وإذهاب غيظ قلوبكم والتوبة عليكم. والرفع أحسن، لأن التوبة لا يكون سببها القتال، إذ قد توجد بغير قتال لمن شاء الله أن يتوب عليه في كل حال.