بقلم: أ. د. حسين علي محمد
.............................
كان الناقد وديع فلسطين ـ كما قدّمنا ـ من أوائل من كتبوا عن نجيب محفوظ، وإن كان نجيب محفوظ لا يتذكّر ذلك الآن بعد أن فاز بجائزة نوبل!!
يشير إلى ذلك في رسالته لي (المؤرخة في 22/4/2001م)، فيقول:
«نشر نبيل فرج مقالاً زعم فيه نقلاً عن النوبلي [نجيب محفوظ] أن [أنور] المعداوي هو أول من كتب عن نجيب محفوظ في بداية حياته. وهذه فرية حسمها علي شلش بكتابه الموسوم «نجيب محفوظ: الصوت والصدى» حيث استقصى جميع الصحف والمجلات في فترة بداية نجيب محفوظ، وخرج بقائمة من 14 اسماً تتضمّن أول من اهتم بنجيب محفوظ، كما أثبت نصوص المقالات مع تواريخ نشرها، وقد تبيّن من القائمة أنني الثاني من المعرفين بالنوبلي في حين أن المعدّاوي هو الحاديَ عشر!! وقد اضطررتُ إلى كتابة تعليق على مقال نبيل فرج وتركته في جريدة «وطني» التي لم تنشرها في عدد أمس، ولعلها تنشره يوم الأحد المقبل، ولم أحاول في هذه الكلمة تأكيد دوري بالتعريف بالمحفوظ، حيث كتبتُ عنه خمسة مقالات، وقع شلش على أربعة منها، وفاته المقال الخامس المندرج في «الرسالة»، كما لم أذكر أنني قلتُ في خاتمة واحد من المقالات «إن هذه الرواية لو قدر لها أن تُترجم إلى اللغات الأجنبية لوقفت في مصاف الروايات العالمية»، وهذه نبوءة مبكرة بفوز النوبلي بالجائزة المرموقة!» ( )
ويعقب:
«وعسى أن يكف النوبلي بعد هذا عن ترديد هذه الفرية المعداوية!».
ويأسى وديع فلسطين لهذا التجاهل فيقول (في رسالته المؤرخة في 16/1/2003م):
«نشر صديق كلمة في باب «بريد الأهرام»، أكّد فيها أنني كنتُ أول من تنبّأ لنجيب محفوظ بالعالمية، وذلك في الأربعينيّات من القرن الماضي، وتوقّعتُ بعد نشر هذه الكلمة أن يُطاردني الصحفيون للوقوف على حقيقة الأمر، ولكن هذا لم يحدث. ثم قرأتُ مقالاً لزيد من الناس قال فيه إن سيد قطب هو الذي كان أول المبشرين بنجيب محفوظ، ولأنني زاهد في «الحرفشة» فسأواصل الصمت تجاه هذه القضية».
ويقول وديع فلسطين (في رسالته المؤرخة في 30/11/1988م)، بعد فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل:
"نجيب محفوظ أعرفه، وكتبت عنه وعن أدبه قبل أن يولد معظم مكرِّميه، ومنهم السيد وزير الثقافة الفنان المبدع! ومع ذلك لم يدعني أحد إلى الاحتفال الرسمي بتكريمه، في حين دُعيت جميع الممثلات والفنانات ومن إليهن. وقد فكّرت في كتابة كلمة عن بدايات نجيب محفوظ التي كنت شاهداً عليها بنفسي ويجهلها كل مجتمعنا الأدبي الحالي، ولكنني نهيت نفسي عن ذلك، أولا لكثرة مشاغلي التي يرتبط بها رزقي، وثانيا لئلا يتوهم متوهم بأنني أريد أن أجد لنفسي مكانا أو دوراً في تاريخ نجيب محفوظ الأدبي ولا سيما بعدما فاز بالنوبلية الدولية عن جدارة واستحقاق".
"وعهدي بآثار نجيب محفوظ ـ التي كان يُهديني إياها قبل أربعين سنة بوصفي "أديباً كبيراً" ـ يقف عند "القاهرة الجديدة"، ولم أقرأ له شيئاً بعد ذلك لأنني اعتبرت الروايات مادة للتسلية لا للثقافة، فانصرفت عنها بكل أسمائها ومسمياتها".
"ولو سئلت اليوم عن رأيي في أدب نجيب محفوظ لآثرت السكينة لبُعد عهدي بقراءة آثاره القديمة مثل "رادوبيس"، و"زقاق المدق"، و"خان الخليلي". ويدهشني أن كل ما كُتِب عنه أخيراً أغفل دور "لجنة النشر للجامعيين" في إبراز نجيب محفوظ، وهي اللجنة التي أنشأها عبد الحميد جودة السحار في الحرب العالمية الثانية وضمت علي أحمد باكثير وعادل كامل ونجيب محفوظ، وانتسب إليها شبان ذلك العصر مثل محمد عبد الحليم عبد الله وأمين يوسف غراب وأحمد زكي مخلوف وسيد قطب وإخوته وأنا".
ويقول (في رسالته المؤرخة في 13/1/1989م):
"نجيب محفوظ أعرفه منذ بداياته الأولى، وقد زاملته في لجنة النشر للجامعيين، وكنت من أوائل الذين كتبوا عنه وعرّفوا بأدبه. وعندي رواياته الأولى في طبعاتها الأولى مهداة إلى مَنْ كان يسمّيه "بالأديب الكبير" أو "الموهوب". وكنت أزوره ولو مرة في الشهر في مكتبه بوزارة الأوقاف لأقدِّم إليه العدد الجديد من "الأديب". ولم يعرف نجيب محفوظ أديب السويد الكبير أوجست سترندبرج، الذي أشار إليه غير مرة في أحاديثه، إلا من خلال ترجمتي المُبكِّرة لمسرحية "الأب" التي أهديتُها لنجيب عند صدورها عام 1945م، وعلى كثرة الأحاديث التي أفضى بهـا نجيب محفوظ في كل عمره، لم يُشِر إليّ بحرف، وليس في نيَّتي اليوم أن أُذكِّر الناس بما نسيه صاحبه، ولا سيما وصلتي بالأدب تدخل في دائرة المحاق".
وكان قد قال لي (في رسالته المؤرخة في 25/5/1976م):
"نجيب محفوظ أعرفه من عام 1944 أو 1945م وكنا في ذلك الزمان الخالي ـ زمان الطهارة الأدبية ـ نجتمع كثيراً في مكتبه في وزارة الأوقاف أو في نـدوته في كازينو أوبرا أو في مكتبة مصر (السحار إخوان) في الفجّالة. ولكن لما استشرى داء المخبرين السريين والمُتجوسسين على ندوات الأدب، وصار الناس يشكُّون حتى في أقرب المقربين إليهم أقلعنا عن هذه اللقاءات الدورية في الأماكن العامة، وصرنا نلتقي بمواعيد مضروبة أو وفقاً لتساهيل المصادفات السعيدة، وآخر هذه المصادفات من نحو أسبوعين.
وأعترف بأنني وقفت في مطالعاتي لنجيب محفوظ عند مرحلة "زقاق المدق" و"القاهرة الجديدة"، أما ما تلا ذلك من روايات "كالثلاثية" و"أولاد حارتنا" و"الكرنك" ... إلخ فلم أُطالعه، واعتقادي ـ من واقع مطالعاتي الأولى لنجيب ـ أنه فنان عظيم، وأنه يستحق كل تكريم يناله، ولاسيما وأن له شخصية أصلب عوداً من توفيق الحكيم الزئبقي الرجراج. فنجيب محفوظ لم ينغمس في التأييد الأعمى للإجراميات والإنكشاريات والإرهابيات التي عشناها ربع قرن كما فعل "فاقد الوعي" توفيق الحكيم ، ومن ثم لم يعوزه الأمر إلى "صك غفران" يقدمه إلى الجمهور ليصفح عن خطيئته كما فعل توفيق الحكيم في "عودته إلى الوعي".
"صحيح أن التكريم الذي ناله نجيب محفوظ هو حصة الأسد، وأن بعض أقرانه أو السابقين عليه يستحقون تكريماً مماثلا كإبراهيم المصري، ومحمود البدوي، والمرحوم عبد الحليم عبد الله، والمرحوم أمين يوسف غراب، وعلي أحمد باكثير. ولكن الحياة غير ذات مقاييس سليمة. ومن مقتضاها الإسراف هنا والتقتير هناك".
ويقول (في رسالته المؤرخة في 14/8/1982م) عن عدم متابعته الجديد من الإنتاج الروائي:
«مازال وقتي يضيق بقراءة الأدب الروائي، وإن كنتُ حريصاً على قراءة ما يكتبه الأصدقاء كمحمود البدوي وأمين ريّان ويوسف جوهر ـ إن أهداني كتبه لأني لا أقرأ الأقاصيص أو المسلسلات المنشورة في الصحف والمجلات، كما أقرأ ما يكتبه صديقي الدكتور عبد السلام العجيلي، وأعتقد أنه من أعظم الروائيين العرب. أما نجيب محفوظ فقد كف منذ جاءته الشهرة عن إهدائي كتبه، فكففتُ منْ ناحيتي عن قراءتها».
ويقول (في رسالته المؤرخة في 9/12/1994م):
"لا أدري هل تناولت الصحف السعودية قضية "أولاد حارتنا" أوْ لا؟؛ فقد نشرت عندنا في الفترة الأخيرة عشرات من المقالات التي تدافع عن هذه الرواية باعتبارها إبداعاً فنيا أدبيا وليس موضوعاً دينيا، ولكن هذه الموضوعات لم تُقنع ذوي الاختصاص بالإفراج عن الرواية على الرغم من أن جريدة "الأهالي" نشرتها مؤخراً، فضلا عن أن الطبعة البيروتية تُهرَّب إلى مصر، وتُباع بخمسة وثلاثين جنيهاً للنسخة الواحدة. وقد قام الشيخ (محمد) الغزالي ـ وهو صاحب التقرير الأصلي الذي حكم على هذه الرواية بالإعدام ـ بزيارة مؤلفها، وحاول حواريو المؤلف تفسير هذه الزيارة بأنها "توبة" من جانب الشيخ، ولكن الوضع لم يتغيَّر. والقضية على كل حال قضية خاسرة مهما ترافع فيها بُلغاء المحامين ـ ولستُ منهم ـ ...".
ويقول (في رسالته المؤرخة في 15/9/1991م):
"لم أُتابع "أولاد حارتنا" لنجيب محفوظ، وتوقفت قراءاتي للأدب الروائي ـ بما في ذلك أدب صديقنا نجيب محفوظ ـ عند "خان الخليلي" و"زقاق المدق" و"رادوبيس" و"القاهرة الجديدة"، وقد كتبت عنها جميعاً في الفترة 1944، 1945، 1946، 1947م وهو ما ذكره علي شلش في كتابه عن محفوظ، ولكن الذي عرض الكتاب في عدد هذا الشهر من "الهلال" تعمّد إسقاط اسمي!".
ويقول في الرسالة نفسها ـ بعد الفقرة السابقة ـ متحدثاً عن انتقاد الشيخ محمد الغزالي لرواية «أولاد حارتنا»:
«إذا كان الشيخ الغزالي يُهاجم نجيب محفوظ بسبب هذه الرواية، فلِم لا يُهاجم صهره إحسان عبد القدوس على مذهبه الروائي الذي وصفه العقاد بقوله إنه «أدب فراش»!.. ».
ويقول (في رسالته المؤرخة في31/1/1996م):
"حتى هذه اللحظة لم أقرأ كتاب محمد جبريل عن "آباء الستينيات"، وفي اعتقادي أنه كان يستفيد كثيراً من شهادات الذين عاصروا قيام لجنة النشر للجامعيين والباقين على قيد الحياة حتى اليوم مثل عادل كامل ونجيب محفوظ وأنا، ولكنه لم يفعل. وعلى كل حال لا أريد من ناحيتي أن "أتمسّح" في هذه اللجنة أو في محفوظها، وأوثر أن أبقى مثل "النبت الشيطاني" الذي يخرج إلى الدنيا من تلقاء نفسه ولا يعتمد إلا على نفسه، ولا ينتسب إلا إلى نفسه".
ويقول (في رسالته المؤرخة في 10/12/1995م) عن "أصداء السيرة الذاتية"، وهي آخر ما كتب نجيب محفوظ:
"لم أقرأ "أصداء السيرة الذاتية"، ورأيي الصريح فيها أنها مزيج من الحكمة والهلوسات، وإن كان نصيب الهلوسات أكبر. ولعل نجيب محفوظ ندم على كتابة هذا السُّخف، بدليل رفضه نشرها في كتاب".
ويقول مرة أخرى عن "أصداء السيرة الذاتية" (في رسالته المؤرخة قي4/1/1997م):
"قرأت ما نشرته "الأهرام" من فقرات "أصداء السيرة الذاتية"، ثم قرأت نصها الكامل في جريدة "أخبار الأدب"، ولعلي صارحتك برأيي فيها من قبل، وهو أن الأصداء مزيج من الحكمة والهلوسة، وجرعة الهلوسة فيها أكبر. ولولا جائزة نوبل التي رفعت نجيب محفوظ إلى مرتبة آلهة الحكمة (كذا) لما اهتم أحد بهذه الأصداء غير المترابطة".
وفي الرسالة نفسها يُشير إلى عدم وفاء نجيب محفوظ تجاه رفقاء رحلته ودربه، يقول:
"وستلاحظ في حديثي عن باكثير أنني عاتبت نجيب محفوظ لأنه يهتم اليوم بحرافيش جدد ولا يقول كلمة إنصاف في زملاء أول الطريق: السحار، وعادل كامل ، وباكثير. وقد حذف المحرر فقرة قاسية العبارة، ومع ذلك فإن استشهادي ببيت الشعر الوارد في الحديث كافٍ في حدِّ ذاته لقول ما كنت أريد قوله".
وبعد صدور الطبعة الأولى من هذا الكتاب صدر كتاب "نجيب محفوظ" لرجاء النقاش، وهو يضم مقابلات مسجلة مع نجيب محفوظ، أثارت لغطاً شديداً في الحياة الثقافية المصرية، لدرجة أن مجلة "الأهرام العربي" خصصت أحد أعدادها (في يوليو 1998م) لمناقشة الآراء الواردة في الكتاب. وقد أشار الأستاذ وديع فلسطين إلى هذا الكتاب في أكثر من رسالة.
ويقول (في رسالته المؤرخة في 6/10/1998م): "الخطب التي أُلقِيتْ في عيد 6 أكتوبر تعمّدت الرد بصورة غير مباشرة على نجيب محفوظ الذي وصف حرب الاستنزاف بأنها كلام فارغ و"شلفط" عبد الناصر وكل تاريخه الإجرامي. ومازال المشاغبون يحملون على نجيب محفوظ بسبب ما اعتبروه "تخريفات" الشيخوخة الرذيلة، وحاول عبد العظيم أنيس استدراج نجيب محفوظ للاعتراف بأنه في عربدات شبابه كان "يُعاقر" اليهوديات في حي العباسية كما كان هو يفعل! أليس هذه "كلينتونيات"!!؟"( ).
ويقول (في رسالته المؤرخة في 18/10/1998م): "توقّفت نسبيا الحملات التي شُنَّت على نجيب محفوظ بسبب آرائه السياسية الواردة في مذكراته، وهو نفسه قد تراجع عن بعض هذه الآراء زاعماً بأنه لم يقرأ أصول الكتاب قبل نشره، مع أنه أملاه بصوته على المسجل، ومن ناحية أخرى تضمّنت الخطب الرسمية التي أُلقيت في أعياد 23 يوليو و6 أكتوبر ردا غير مباشر عليه، وكان ابن شقيقة نجيب محفوظ قد رفع دعوى عليه وعلى ناشر الكتاب مطالباً بمصادرته، لأنه تضمّن كلاماً يُسيء إلى أسرته".
ويقول (في رسالته المؤرخة في 13/11/2001م):
«يحتفل نجيب محفوظ بعيد ميلاده التسعين في شهر ديسمبر المقبل، وبهذه المناسبة تُفكر مجلة «نصف الدنيا» أن في تخصيص ملف له، يشتمل على مقالات النقاد التي كُتِبت عن النوبلي في بداية حياته، وقد رجتني المحررة أن أصور لها من مجلة «الرسالة» وغيرها المقالات الأولى التي كتبت عن نجيب محفوظ سواء بقلمي أو يقلم سيد قطب، فأنجزت لها المهمة بفضل مجموعاتي من المجلات. ومن ناحية أخرى أصدرت مجلة «أدب ونقد» عدداً خاصا عن نجيب محفوظ في الشهر الحالي تضمن مقالات لرجاء النقاش وأحمد عباس صالح ... وغيرهما».
و(في رسالته المؤرخة في 30/8/1976م) يُشير إلى عادل كامل أحد أصدقاء نجيب محفوظ:
«عادل كامل كان يُبشِّر بمجد للرواية يُحاكي أمجاد نجيب محفوظ، ولكنه ـ كما أخبرني عند تركه للأدب ـ انصرف إلى المحاماة التي تُطعم خبزاً بينما الأدب لا يُطعم الخبز إلا بعد رحلة مُعاناة طويلة. وهو وإن كان انصرف عن التأليف، فقد استعان به نجيب محفوظ غير مرة في كتابة «سيناريوهات» لرواياته وروايات سواه، ومازال يقوم بهذا العمل إلى جانب المحاماة، وإلى جانب مصنع النسيج الذي يملكه».