السحور الأخير – محمد الفاضل
تدور أحداث القصة في مدينة أورم الكبرى حيث تقع في منطقة جبل سمعان في محافظة حلب ، وتشتهر بزراعة أشجار الجوز والزيتون ، والكروم ، وبيوتها حجرية طينية وبعض المساكن الحديثة من الإسمنت . يعمل معظم أهالي المدينة بالزراعة فالمنطقة فيها مساحات خضراء واسعة وتشتهر بتربتها الخصبة .
في تلك المدينة الصغيرة يعيش كفاح مع والدته وشقيقته وزوجه وبناته الأربعة في أحد البيوت المتواضعة ، في ذلك المساء بدأت الأفكار تتنازع مخيلته والهم يلعج بصدره ، كان يبدو شارد الذهن على غير عادته وكأن جبلاً من الهموم يجثم فوق صدره ، فصواريخ الطائرات والقنابل التي تنهمر فوق المدينة لا تفرق بين طفل أو شيخ ، أو حتى امرأة ، فالجميع أهداف مشروعة ، واَلة القتل تحصد الأرواح بشكل جنوني !
كان أفراد الأسرة منهمكين في إعداد وجبة السحور المتواضعة في شهر رمضان والتي غاب عنها الكثير من المواد الأساسية ، حيث يعتبر السحور من الوجبات الأساسية في سوريا في شهر رمضان ، ولكن الوضع تغير ، فأصبح هاجس العائلة الأول هو حصولهم على كفاف يومهم .
أسند كفاح ظهره على الجدار ووضع وجهه بين راحتي كفيه والقلق ينهش روحه وبدأ ينفث دخان سيجارته بعصبية واضحة ، التي أضحت سلوته في ظل الظروف الصعبة ، عشرات الأسئلة كانت تتزاحم في رأسه المتعب ولا يجد لها إجابة مقنعة ، لماذا يجب أن يموت كل هؤلاء ؟ لماذا يفرد شبح الموت جناحيه فوق المدن والقرى ؟ متى تضع الحرب أوزارها ؟ شعوره بعجزه أدخله في دوامة حزن عميقة .
تجمع أفراد الأسرة حول صحن الزيتون والزعتر مع أكواب الشاي وحمدوا الله على هذه النعمة ، فحالهم أفضل بكثير من بعض المدن المحاصرة ، الذين يموتون جوعاً وبعضهم يقتات على الحشائش ،الخوف والترقب سيد الموقف ، بدأ الأب يتفرس بوجوه أفراد أسرته ، و يتأملهم بصمت والحزن يعتصر قلبه ، أطال النظر إليهم واستغرب اصفرار وجوههم ، فكرة فقد أحدهم كانت تزلزل كيانه وتضغط على صدره فتضيق أنفاسه . دلفت الزوجة إلى المطبخ وهرعت البنات لمساعدتها وهن يتضاحكن ، في محاولة مصطنعة لكسر جدار الصمت ورتابة المكان .
بعيد لحظات دوى انفجار هائل هز كامل المدينة ، اختلطت حبات الزيتون والخبز بدمائهم ، فجأة ران صمت مطبق على أرجاء البيت ، وتحول المنزل إلى ركام , لقد مات الجميع وهم يستعدون لصلاة الفجر بعد أن أمسكوا عن الطعام . في ذلك اليوم الدام أعلنت وسائل الإعلام عن موت 12 شخصاً واصابة العشرات بجروح نتيجة قصف للطائرات الروسية مستخدمين القنابل الفراغية والنابالم !
السويد – 12 / 6 / 2016